ومن كتاب فاضلي آخر. أدام الله دولة مولانا الناصر وخصه بتشييد بناء السلطان ولا أخلى منه عيون الأولياء فأما القلوب فإنه لها ساكن وأنها له أوطان، وأوزعه أن يشكر ما به من نعمة وألهمه أن يخلف محمدا ﷺ بأحسن الخلافة في أمته، وحفظ عليه كل عمل، بيده قاضيته، ولقاء كل خير بيده ناصيته:
وإن أكثر الداعون فيما دعوا له ... فلا تلحين من بات يدعو لنفسه
كتبت هذه الخدمة بعد انقضاء عيد النحر على ما شرع فيه من سنة واستحب من قربه وعلى نيابة المولى الملك العادل أوفى نيابه وعلى هذا فإن الخلق لغيبة المولى.
تراهم كبيت غير الكسر وزنه ... فألفاظه نثر ومعناه قايم
* *
دنا العيد أو تدنوا كعبة المنى ... وركن المعالي من ذوابة يعرب
فيا عجبا للدمع يرمى جماره ... ويا بعد ما بيني وبين المحصب
كتب المولى عند المملوك كالجنة التي قال الله تعالى واصفًا لها: " وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون " وإن لم يخلد المملوك فيها جسما فقد خلده الفخر فيها اسما ونعمة المولى بها وبخيرها تجل عن الوصف.
وما عمت لساني كل عن صفة ... وما علمت إلا فوق ما أصف
والله ما يهيج البروق اللامعة، والحمايم الساجعة والنسيم في الأصال والخواطر إذا خطر بها أيام الوصال ما يهيج هذه الكتب وأنها لتلفح من سحب العيون ما تلفحه مراقات السحب وبالجملة كل دم حقنة المولى لجهاده قد أجراه دمعا وذكر المولى أنشودة وأنها ربما كانت للقاء ميعادا:
متى أن يكن حقا أحسن المنى ... يابرد ذاك الذي قالت على كبدي
فسوغوني المنى حتى أعيش بها
وقد ينعش الفتى بعد عثرة ... ويصطنع الحسنى سراة بني عجل
* * *
سقى الله دارا شوقتك بغيرها ... وأذنتك نحوي يا زياد بن عامر
أصايل قرب ارتجي أن أنالها ... بلقياك قد زحزحن برد الهواجر
* * * والمملوك الآن يعالج من الأشواق غريمين كريمين غريم ينزع به إلى كعبة الحزم وغريم يرجع به إلى كعبة الأمم.
لو سرت من ذا إلى هذا وكيف به ما=ما سرت من حرم إلا إلى حرم وحديث ما يلزم الخزانة من المغارم فقد قال أحد وزراء الرشيد له وقد أراد سفرا إلى إحدى غزواته يا أمير المؤمنين تكثر الكلف قال ومتى قلت: (١٩٢ ب)
لا يستقر بكفه أمواله ... فكأنما هي عابرات سبيل
وما ضاع ورث الحمد أهله. ومنه المولى أولاد صاروا رجالا ويجب أن يستنجد للقلاع رجالا كما فعل السابقون أعمارا وأعمالا، وقيل القلاع أنوف من حملها شمخ بها ما في الرجال على النساء أمين.
وزهدني في الناس معرفتي ... وطول اختياري صاحب بعد صاحب
ولا كنت أرجوه لدفع ملمة ... من الدهر إلا إحدى النوايب
ومنه عز الدين أقبوري يطول المولى عنان صبره، ويودعه بلطف خلقه وتحمل جفوة ظاهرة، مع السلم بسلامة باطنه، ومن كان يخص أيادي الموت عنده تسفيره بستة آلاف دينار فلا بد من احتماله لتناسب أسباب المعروف عنده ومنه من أبيات في ذكر السلام وتبليغه إلى ولده الملك العزيز عثمان:
وغريبة قد جئت فيها أولا ... ومن اقتفاها كان بعدي الثاني
فرسولي السلطان في إيصالها ... والناس رسلهم إلى السلطان
1 / 59