220

ولقد فاتني أن أذكر لك أن الشيخ برعي كثيرا ما كان يرى واقفا برجل من هؤلاء الذين يسألون في الطريق بقراءة القرآن، ذلك أنه تعجبه منه نغمة، أو تهزه نبرة، وسرعان ما يتلقفها، فيهذبها ويصقلها، ويطلقها في سهرته سوية بديعة تضاف إلى فنه الكريم.

ولقد أخذ المرحوم الشيخ أبو العلا نفسه بفن عبده الحامولي، وكان يتغنى أغانيه، ويقلده في جميع تناغيمه، حتى لم يكد يرث صنعة عبده سواه، على أن أبا العلا كان لبقا بارعا، واسع العلم بالفن، محيطا به من جميع أقطاره، بقدر ما يتهيأ لمصري من فهم أصول الغناء العربي، وكان إلى هذا على حظ من الذوق عظيم، ولكنه لم يرزق من حلاوة الصوت وكرم جوهره ما يواتي كل تلك المواهب، فلم يبرع، وإن جاد في غنائه؛ ولكنه برع البراعة كلها في تلحينه.

وإذا لاحظت أن الذوق المصري لا يستريح إلا إذا انتهت النغمة بتكريش الصوت، والزر على الحلق، أو ما يدعوه أصحاب الغناء (بالعفق)، قدرت براعة أبي العلاء وجراءته في الإقدام على تلحين هذه القوافي الصخرية من نحو:

وحقك أنت المنى والطلب

وأنت المراد وأنت الأرب

ولي فيك يا هاجري صبوة

تحير في وصفها كل صب

ونحوه:

والله لا أستطيع صدك

ولا أطيق الحياة بعدك

Bog aan la aqoon