إذا كان الصباح الباكر كنت كما يكون الناس، فإذا ارتفعت الشمس قليلا عن الأفق شعرت بغمزات لطاف على جنبي الأيمن، ثم أراها تثقل رويدا رويدا وهذا أذان النفير العام، يدعو إلى أحشائي جمهرة الأوجاع والبرح والآلام، فما هي إلا دقائق معدودة حتى أحس أن كل ما في الأرض من مدى مسنونة قد اجتمعت علي تقطع أحشائي، وأن كل ما في الدنيا من رماح ومزاريق قد تظاهرت على الطعن الدراك في أمعائي ما يفل لها حد، ولا يكل للطاعنين من دونها زند، وأن نيران جهنم كلها قد كورت وضغطت بقدرة القادر وقذفت في بطني قذفا حتى أكاد من وقدة الآلام أسمع لها حسيسا! وكلما ارتقبت الفرج بتقطع الأمعاء وتفرقها، وتمزقها وتحرقها، وأن الموت لا محالة آت، فذلك مما لا قيام للحياة معه ولا ثبات، فإذا آلامي جديدة لا تبلى على كل أولئك الأحداث، كأن يد القدرة تسرع إلى جمع ما يتفرق، ووصل ما يتمزق، حتى لا ينتهي لي عذاب، ولا ينقضي ما أعاني من الحرق والأوصاب، ونعوذ بالله من عذاب أهل جهنم الذين قال الله تعالى فيهم:
كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ! اللهم لقد ذقت هذا العذاب في هذه الدار، فأقلني في الآخرة بفضلك من عذاب النار!
ولا تزال البرح والآلام تفري الفري في أحشائي بلا هوادة ولا فترة ولا سكنة أبدا، وليت شعري كيف لا يدركها التعب والإعياء، على طول ما تبلي في هذا البلاء؟!
وإني لا أزال كذلك تختطفني الغفوة فأغفو دقائق، ثم تتخاذل عني فتلقيني ثانية لما كنت فيه من العذاب الشديد، وهكذا كان دأبي عامة الليل وعامة النهار! •••
ثم إني لأتجلد للألم وأتصبر، فلا آذن لحلقي أن يتنفس بالآهة أو بالأنة، وأكظم وجعي فلا أترجم عنه بما يترجم به عن الأوجاع عامة المرضاء؛ وأظل على هذا دهرا، ثم إذا هذا التصبر يتقلص رويدا رويدا، وإذا بي أئن لو كنت خاليا، ثم إذا بي أئن وأتأوه وأنا بين الناس!
ثم إنني رجل أعهد في شماس الطبع، وعصيان الدمع، فإذا المرض يأبى إلا أن يذلل ذلك الطبع، ويذل هذا الدمع! وهكذا أسلم للمرض أنفتي كما يسلم الشجاع الكمي سلاحه لخصمه، وينزله الغلب على حكمه، ما به رضى بهذا ولا ارتياح، ولكنها لقد جرت به الأقدار! •••
وإنني لأرجو الطبيب وأخشاه، وأحبه وأرهبه في وقت معا، كأنه قد أصبح لي أبا وكأنني قد ارتددت بين يديه غلاما! ولقد يأمرني الأمر فيما يتصل بعلاجي وما يطلب به سلامتي، فأعصيه في سر منه في بعض ما أمر، وأخالفه إلى بعض ما نهى، فإذا ما سألني عذت بالمعاريض فرارا من الكذب الصريح، وهذه من إحدى ذلات المرض أذله الله!
وما أن أبصرت إنسانا من أهلي أو عودي، حتى خادمي، إلا تخيلت أنه يستطيع أن يدفع عني بعض ما بي، ويخفف بعض ما أجد، ولولا الحياء لاستجديته العافية استجداء، فشأني كان كشأن الغريق يصارع الموج أكثر ما يصارعه بالتأميل في نجدة من على الشط من الناس! وتلك أخرى للمرض أخزاه الله!
هؤلاء الأصحاء الأجسام، وليكونوا من أولئك الباعة المترفقين بأبدانهم،
3
Bog aan la aqoon