وعلى سبيل المثال، فإن القرن الثامن - وهو في تقديرك ورأيك مما ينبغي أن ينبذ ويطرح - قد شهد أعلامًا شوامخ، مثل شيخ الإسلام ابن تيمية، ومؤرخ الإسلام الحافظ الذهبي، ومجتهد عصره تقي الدين السبكي، وولده المؤرخ تاج الدين، والحافظ أبي الحجاج المزى، وختنه (١) الحافظ المفسر المؤرخ عماد الدين بن كثير، والحافظ الكبير علم الدين البرزالي، والأديب المؤرخ صلاح الدين الصفدي، واللغوي الجامع ابن منظور، وإمامى النحو: أبي حيان وأبي هشام.
وإن القرن لتاسع قد شهد أمير المؤمنين في الحديث، الحافظ ابن حجر العسقلاني، وشيخ الإقراء في زمانه شمس الدين بن الجزرى، وعالم الاجتماع الكبير ابن خلدون، والمؤرخ الجغرافي تقي الدين المقريزي.
وإن القرن العاشر قد شهد الحافظ المؤرخ الحجة شمس الدين السخاوى، والحافظ المفسر النحوي، الجامع للفنون والمعارف جلال الدين السيوطي، ولا تقل: إنه جماع، فقد حفظ لنا في تصانيفه التي بلغت نحو ستمائة مصنف (٦٠٠) كثيرًا مما عدت عليه عوادى الناس والأيام (٢)، من علوم الأوائل وفنونها، واستخرج من كل ذلك علمًا عرف به ونسب إليه.
_________
(١) من الشيرازيات، ومازال يستل من هذا النص خيوطا، ويستخرج من الخيوط، حتى قدم شيئًا جديدًا، ليس هو كلام أبي علي، وليس مقطوعًا عنه، وإنما هو متناسل منه كما يتناسل الحي من الحي ودع عبد القاهر، وانظر إلى تجربة أبي الفتح - ابن جنى - في كتاب الخصائص، وكيف استخرج من كلام سيبويه وأبي علي وغيرهما، علمًا ليس هو علم سيبويه، ولا علم الفارسي، وإنماهو علم أبي الفتح. وكما استخرج عبد القاهر من مضابئ النحو علمًا آخر هو علم المعاني، استخرج أبو الفتح من هذه المضابئ نفسها علمًا آخر، هو علم أصول النحو قياس العربية". القوس العذراء وقراءة التراث ص٥٤ - ٥٦.
() الختن، بفتحتين: كل من كان من قبل المرأة، مثل الأب والأخ، وهو أيضًا: زوج الابنة. وفي الحديث: "على ختن رسول الله ﷺ". وقال الأصمعي: "الأختان من قبل المرأة، والأحماء من قبل الزوج، والصهر يجمعهما". وكان ابن كثير زوجًا لزينب ابنة الحافظ المزى.
(٢) وكذلك الحال في كثير من كتب المتأخرين التي حفظت لنا أصولًا ونصوصًا من كتب المتقدمين التي ضاعت أو خفى علينا مكانها
1 / 26