إلى واحد من هؤلاء الأشياخ، وانظر إلى حركة فكيه وشفتيه وجريان لسانه، في إعطاء كل حرف حقه ومستحقه، من الهمس والجهر، والإظهار والإخفاء، والفك والإدغام، والترقيق والتفخيم، وكيف يخرج من أحدهما إلى الآخر، في مثل قوله تعالى: ﴿ولا يشفعون إلا لمن ارتضى﴾ صورة الأنبياء ٢٨ - وأنظر كيف يفخم الراء ثم يخرج إلى ترقيق التاء، ثم يعود إلى تفخيم الضاد، ويمضى في ذلك كله في سهولة ويسر، دون استكراه أو إعنات. وكان شيخنا الجليل الشيخ عامر السيد عثمان - أحسن الله إليه - يأخذنا إلى تفرقة دقيقة لطيفة، في الوقف على الراء من قوله تعالى ﴿فكيف كان عذابي ونذر﴾ وقوله تعالى: ﴿كذبت ثمود بالنذر﴾ - سورة ١٦ -
٢٣ - فالراء الأولى يوقف عليها بترقيق لطيف يشعر بالياء المحذوفة؛ لأن أصلها ﴿ونذرى﴾ (١) . أما الراء الثانية فيوقف عليها بالتفخيم الخاص؛ لأنها جمع نذير. فهل وجدت شيئًا من هذا في معامل الأصوات؟
أما (النبر) الذي شغبوا به ونازعوا حوله، وأن اللغويين الأوائل لم يعرفوه، فقد عرفه قراء القرآن الكريم، بالتلقي أيضًا، ويسميه بعض القراء: (التخليص) أي تخليص مقطع من مقطع، أو قراءة الكلمة على مقطع واحد، وتلقيت عن شيخي الشيخ عامر السيد عثمان، من ذلك الكثير، منه قوله تعالى: ﴿فسقى لهما ثم تولى إلى الظل﴾ - سورة القصص ٢٤ - وقوله: ﴿فقست قلوبهم﴾ - سورة الحديد ١٦ - وقوله: ﴿وساء لهم يوم القيامة حملا﴾ سورة طه ١٠١.
_________
(١) بإثبات الياء. وهي رواية ورش عن نافع. السبعة لابن مجاهد ص٦١٨.
1 / 15