Maxamed Cali Janaax
القائد الأعظم محمد علي جناح
Noocyada
وقال غير مرة: إن الزعامة السياسية قدوة يأتم بها الأتباع والمتعلمون، فهل من الممكن المعقول أن يصبح الهنود كلهم أنبياء قديسين كالمهاتما غاندي؟ وهل ينفع الهند أن يصبح أبناؤها جميعا على هذا الغرار في السياسة القومية والمعيشة اليومية؟
وصواب جناح في نظره كصواب غاندي في نظره: كلاهما مستمد من صميم وجدانه وصدق إيمانه، ولم يكن الرجل ممن يغالطون أنفسهم في الحقيقة التي تثبت في ضمائرهم، أو يستبيحون مجاراة التيار وكسب الرضى بالمجاراة والمداراة، ولو أجمع الناس ما عداه على مجاراته ومداراته.
وقد أجمع الناس فعلا في إبان حركة المقاطعة وحركة الخلافة على مذهب في العمل السياسي لا يرتضيه فوقف وحده يناضل ويقاوم حتى أعياه إقناع الرأي العام وثنيه عن جماحه، فهجر الهند وأقام في إنجلترا معولا على الاشتغال فيها بالمحاماة والانقطاع عن السياسة؛ حتى يثوب المختلفون إلى رأي يقبله ويؤمن بجدواه.
رئاسته للعصبة الإسلامية
ولقيه الأستاذ البيروني صاحب كتاب «صانعي الباكستان» خلال هذه الفترة، وهو مقيم في إنجلترا سنة 1932 فقال له: وهو يحاول أن يستعيده إلى ميدانه: «وما العمل؟ إن البرهميين قصار النظر، ولا أمل لي في إصلاح أخطائهم، والمعسكر الإسلامي ممتلئ بأولئك الخلائق التي لا عظام لها، والتي تقول لي ما تقول ، ثم تبادر إلى صاحب السلطان لتسأله عما ينبغي أن تعمل.»
وطفق المسلمون يبحثون عن قائد، وطفقت الدعوات إليه تتوالى لاستعادته إلى نشاطه، حتى عن له من أشتات المعلومات التي تبلغه أن العمل ممكن على منهاجه، وأن الأمة الإسلامية قطيع بغير راع، فاستخار عزمه وقفل إلى بلاده تلبية لصوت الواجب أو صوت التبعة الكبرى التي استقرت على كاهله دون غيره، فرجع على شيء من الأمل، ونفض عنه وساوس التردد والقنوط.
كان الزعيم محمد علي قد فارق الدنيا، وكذلك الزعيم محمد شافعي الذي طالت رعايته للعصبة وبذل ما بذل في حياته لاستبقائها ولم شملها، وكان الزعيم «أقا خان» يلتفت إلى الهند مرة، ويلتفت إلى مصائف أوروبة وميادين السباق فيها مائة مرة، وكانت العصبة في غيبة الرءوس الصالحة على وشك الانحلال فأجمع أعضاؤها (في سنة 1934) على اختيار جناح رئيسا لها مدى الحياة وهو مقيم بإنجلترا، فاضطر إلى العودة وصفى أعماله وروابط معاملاته، وهي ليست بالقليل.
ولم تمض أيام على تسلمه مهام الرئاسة حتى شعر أعضاء العصبة ومن يعملون معها بدم جديد يسري في أوصالها، وتحرك الجواد الذي قيل قبل ذلك: إنه جواد ميت يلهبون جلده بالسياط، وعلم في أرجاء الهند أن هناك قوة جديدة يحسب لها حساب بعد أن لم يكن لها حساب.
إن هذه العصبة أنشئت بأموال الأغنياء، ولم يكن من ذلك بد في أول الأمر؛ لأنها أنشئت لتقابل دعوة المؤتمر الهندي بدعوة مثلها، وليست موارد المؤتمر باليسيرة لكثرة أعضائه وكثرة المشتركين فيه من أصحاب الملايين، فأصبح لزاما على أعضاء العصبة أن يوفروا لها المال، وأن يضاعفوا رسوم اشتراكها ويعتمدوا على تبرعات المتفضلين من أنصارها، فنفعها هذا السخاء من حيث ضرها، نفعها بما وفر لها من الموارد، وضرها بالعزلة بينها وبين سواد الشعب من الفقراء وأصحاب الرزق المحدود، وأوشك أن يقوم بينها وبين الشعب سد من سوء الظن، وحاجز من الوحشة والجفاء لهذه العزلة التي كانت في مبدئها عزلة اضطرار لا عزلة اختيار.
وفطن جناح لهذا النقص فأسرع إلى تلافيه وأعانه على ذلك تقدم الشعب في فهم الهيئات السياسية وتنظيم العلاقة بها، فعدل دستورها وجعل الاشتراك فيها حقا مباحا لكل من يؤدي رسمه الصغير ولا يزيد على عشرة مليمات، وبث الدعوة لها في الأقاليم ونشر فيها لجانها الفرعية والمركزية، وبذل غاية وسعه للتفاهم مع الجماعات التي طال العهد على تأسيسها وعز عليها أن تفاجئها العصبة في هذا الدور الجديد بمنافستها القوية، ولم يحجم عن التفاهم مع المؤتمر وتبادل المساعدة معه في الانتخابات التي يعول مرشحوه فيها على المسلمين، ولا يخشى من منازعتهم لأحد من المسلمين في دوائره.
Bog aan la aqoon