إلى القارئ
عندما طلب مني «المصور» نشر هذه المذكرات لم أكن دونت منها شيئا؛ لأني لم أهتم بنفسي طول حياتي، ولم أفكر في أن أدون مذكرات لي، أو - على الأصح - لم يكن لدي من الوقت فسحة لأن أكتب عن نفسي، أو أجمع صورا لصباي وشبابي وكهولتي، وما اشتركت فيه من أحداث على نحو ما يفعل البعض، إلا ما سجلته لي الصحف؛ لأن هدفي في الحياة أن أعمل في الميادين العامة، وأن أؤدي واجبي، وأصرف نشاطي فيما ينفع وفيما يعود بالخير على المجموع؛ ولهذا طويت خمسين عاما في هذه الميادين دون أن أجلس إلى مكتبي لأكتب عن حياتي، وأشغل الناس بشخصي.
لكن حياتي العامة هي مادة من حياة الأمة التي خدمتها طيلة هذه السنين ... وقد يكون في تدوين حوادثها ما يساعد المؤرخ الذي يريد تحقيق تاريخ مصر الحديث، ويكشف اللثام عن أسرارها؛ لأني اشتركت في الكثير من الأحداث الكبرى، وفي مراحل التطور المصري منذ فجر القرن العشرين إلى اليوم ... وقد اعتاد رجال الغرب أن يدونوا مذكراتهم، واعتبروها فرضا على الجيل الحاضر للأجيال المقبلة، وجزءا متمما لتاريخ الأمة ... ولذلك استجبت لدعوة «المصور»، وبدأت أملي هذه المذكرات بقدر ما تسمح به الذاكرة، وأنا جد حريص على تدوين الحقائق.
إسماعيل صدقي
نشأتي الأولى
ولدت في 15 يونيو سنة 1875 بالإسكندرية في عهد الخديو إسماعيل، فأنا الآن في الخامسة والسبعين من عمري، وقد مرت هذه السنون بحوادثها الكثيرة، سريعة شأن كل زمان، على نحو ما قال المرحوم أحمد شوقي بك:
إن سبعين تقضت
لم تكن غير ثوان
هي كاللحظة إن قي
ست إلى عمر الزمان!
Bog aan la aqoon