Xusuus-qorka Pickwick

Cabbas Hafiz d. 1378 AH
165

Xusuus-qorka Pickwick

مذكرات بكوك

Noocyada

لقد كان زعميهم، وقد أحسن هذه الزعامة حقا.

قال: «لنحتفل بهذا الاجتماع السعيد في شراب ومرح.»

وتلقى أصحابه هذا الاقتراح الجديد بمثل ما تلقوا به الاقتراح الأول من الموافقة والارتياح العام، وبعد أن تولى بنفسه إيداع الحجر الخطير الشأن جوف صندوق صغير من الخشب، اشتراه من ربة الفندق لهذا الغرض، جلس في مقعد رحيب عند رأس المائدة، وترك المساء ينقضي كله في مهرجان وسمر.

وكانت الساعة قد تجاوزت الحادية عشرة - وهو وقت متأخر بالنسبة لسكان قرية كوبهام الصغيرة - حين أوى المستر بكوك إلى غرفة النوم التي كانت قد أعدت لاستقباله، ومضى يفتح النافذة، ويضع مصباحه على المائدة، ويسبح في زاخر من الأفكار والتأملات بسبيل الأحداث السريعة التي جرت في اليومين السابقين.

وكان الزمان والمكان معا ملائمين للتأمل، صالحين للتفكير، فلم ينتبه منهما إلا على دق ساعة الكنيسة الثانية عشرة، وكانت الدقة الأولى قد رنت رهيبة الوقع في أذنه، ولكن السكون حين كفت الساعة عن الدق بدا غير محتمل، كأنه شعر بأنه قد فقد رفيقا؛ فاضطربت أعصابه، وهاجت هائجته، فأسرع إلى خلع ثيابه، ورفع المصباح فوق طنف المدفأة، وأوى إلى فراشه.

وكل إنسان منا قد جرب تلك الحالة النفسية السيئة التي يحاول فيها الشعور بالتعب الجثماني مغالبة الأرق عبثا، ومقاومة استعصاء النوم عليه، وكانت تلك حال المستر بكوك في هذه اللحظة، فقد راح أولا يتململ على أحد جنبيه، ثم مضى ينقلب على الجنب الآخر، ويغمض عينيه بإلحاح كأنما يداعب النوم مداعبة، ويغري نفسه بالاستسلام إليه ... ولكن ذلك كله لم يجد نفعا، ومهما يكن من شيء، سواء كان الإجهاد الذي عاناه ولم يكن يألفه، أو كانت حرارة الجو، أو البراندي والماء، أو نومه في فراش غريب عليه، فقد لبثت أفكاره تعود بشكل متعب إلى الصور البشعة المعلقة فوق الجدران في الطبقة الأولى من الفندق، والقصص القديمة التي أثارتها في فترة المساء، وبعد أن قضى نصف ساعة في مغالبة غير منتجة، وصل إلى قرار متعب، وهو أن لا فائدة من محاولة النوم، ونهض من فراشه، فارتدى بعض ثيابه وهو يقول لنفسه إن تأدية عمل ما خير من الرقاد في الفراش، وتصور كل ضروب المفزعات، وأطل من النافذة، وكان الظلام شديدا، فعاد يمشي في الغرفة ذهوبا وجيئة، وبدت الغرفة لخاطره قفرا موحشة.

وبعد أن لبث لحظة يدور بين النافذة والباب، ومن الباب إلى النافذة، خطر بباله لأول مرة ذلك «المخطوط» الذي تلقاه من القسيس، فاستروح إلى الفكرة، وبدا له أنه إذا لم يجد قراءته ممتعة، فلعله سيدفع به إلى النوم، فأخرجه من جيب ردائه، وقرب مائدة صغيرة من سريره، وأصلح ذبالة المصباح، ووضع المنظار على عينيه وتهيأ للقراءة، وكان الخط غريبا، والورق ملطخا ممحوا في عدة أجزاء منه، وما لبث العنوان أن أحدث هزة فجائية في نفسه كذلك، فلم يتمالك نفسه من إلقاء نظرة ترقب وتوجس حول الغرفة، ولكنه عاد يفكر في سخف الاستسلام لهذا الشعور، فأصلح من ذبالة المصباح مرة أخرى، وأنشأ يقرأ القصة التالية:

قصة مجنون كتبها بخط يده

نعم ... قصة مجنون ... ما كان أشد وقع هذه الكلمة في قلبي، لو قيلت منذ عدة سنين، ولكم كانت ستثير الرعب الذي كان يتملكني أحيانا، ويجعل الدم يصفر ويطن في عروقي، حتى ليقف العرق البارد من الخوف قطرات كبارا على بشرتي، وترعش فرائصي من الفزع! ولكني الآن أستطيب ذلك الوصف واستروح إليه، إنه اسم بديع، أروني الملك الذي يخشى من عبسة غضبه مثل ما يخشى من حملقة المجنون، أو تروح حباله ومقصلته يوما مضمونة نصف ضمانة قبضة المجنون على الرقاب، أجل، أجل! إنه لشيء عظيم أن يكون المرء مجنونا، وأن يطل عليه كما يطل على الأسد المفترس من خلال قضبان قفصه الحديدية، وأن يصرف بأسنانه، ويعوي ويزمجر في سكينة الليل الطويل وهدأته، على رنين أصفاده، ولحن سلاسله الثقال، وأن ينقلب ويتلوى بين أكداس الفتن، نشوان ثملا بتلك الموسيقى العذبة الأنغام، مرحى لدار المجانين؛ إنها لمكان نادر، وموضع بديع!

إني لأذكر أياما كنت فيها خائفا من أن أصبح مجنونا؛ أياما اعتدت خلالها أن أستيقظ من نومي فأجثو ضارعا إلى الله أن ينجيني من النقمة التي حلت بقومي، وكنت فيها أنفر من مشهد المرح والفرح، لأختبئ في مكان منعزل، أو ركن مهجور، وأقضي الساعات الطوال مراقبا سير الحمى التي كانت تأكل عقلي أكلا، فقد كنت أعلم أن الجنون ممتزج بدمي ذاته امتزاجا، مختلط بنخاع عظامي اختلاطا، وأن جيلا بأكمله مر سليما لم تظهر فيه على أحد من أهلي أعراض هذا المرض وأدلته، وأنني سوف أكون أول من سيتجدد فيه، ويعاود الظهور عليه. لقد كنت أعلم أن الأمر سيكون كذلك «حتما»؛ لأنه هكذا كان من قبل، وكذلك سيكون من بعد، فكنت كلما قبعت في ركن مظلم من غرفة مزدحمة بالناس، ورأيتهم يتهامسون ويشيرون إلي ويديرون أعينهم نحوي، أيقنت أنهم إنما كانوا يتحدثون عن هذا المخلوق الذي قضي عليه بالجنون، فكنت أتسلل منصرفا إلى العزلة والاكتئاب.

Bog aan la aqoon