ومن فات قديمه تاه!!
ذكريات الماضي القريب
في هذه الأيام ساقت لي الأقدار فتاة فرنسية ما تزال ذكراها إلى اليوم عالقة في ذهني لا ينسيني إياها كر الغداة ومر العشي. هذه الذكرى الجميلة، أستميح القراء في أن أقف وإياهم إزاءها برهة.
كانت «لوسي دي فرناي» - وهذا هو اسمها - صديقة لي، وكانت عونا في الشدة، وساعدا يشد أزري ويشدد عزمي. ولئن ذكرت في حياتي شيئا طيبا، فأنا أذكر أيام زمالتها وعهد صداقتها.
ولأذكر لك أيها السيد القارئ مثلا من أمثلة الحياة التي كنت أحياها مع «لوسي».
وصلت إلى القاهرة إحدى الفرق الإفرنجية، وكانت تعمل في مسرح الكورسال، (الذي بنيت في موضعه عمارة عدس بشارع عماد الدين الآن). وكنت شغوفا بمشاهدة تمثيل تلك الفرق، وقد كان في مكنتي كممثل - أن أطلب تصريحا مجانيا للدخول، يعني «بون» بلغة الفن!! ولكنني كنت أرى في ذلك ما يخجل، وكنت أفضل أن أدفع ثمن التذكرة مهما كلفني ذلك.
وفي إحدى الليالي أعلنت الفرقة عن تمثيل رواية كنت شغوفا - أنا ولوسي - بمشاهدتها، ولم أكن أمتلك في هذه الليلة غير اثني عشر قرشا، فاتفقت وفتاتي على أن نحتل مقعدين في أعلى التياترو، وكان ثمن التذكرة خمسة قروش، فدفعت نصف الريال ولم يبق إلا نصف فرنك. وكان الجوع قد أخذ من لوسي كل مأخذ، وهداها تفكيرها إلى خطة قررت تنفيذها. فقادتني إلى قهوة قريبة، وهناك طلبت (واحد شاي). فلما جاء الجرسون بالطلب، شربت الشاي من غير سكر، ثم فتحت حقيبتها ووضعت فيها جميع قطع السكر التي أحضرها الجرسون!
أما الحكمة في ذلك فهي أن الفتاة كانت قد دبرت في المنزل بعض الخبز وقليلا من الشاي، ولم ينقصها إلا السكر!
فلما انتهى التمثيل وقصدنا إلى منزلنا، أعدت الشاي مع ما تهيأ لها من السكر الذي ملأت به حقيبة يدها في أول الليل، وجلسنا نتناول عشاءنا «عيش وشاي وبس!».
فاتحة سعيدة لعهد سعيد
Bog aan la aqoon