397

فيها لجاز له ذلك ، ولما كان العقل يأباه وينكره ، فانه لو جعل الفاعل منصوبا ، والمفعول مرفوعا ، قلد في ذلك ، كما قلد في رفع الفاعل ونصب المفعول.

واما «علم البيان» من الفصاحة والبلاغة ، فليس كذلك ، لأنه استنبط بالنظر وقضية العقل ، من غير واضع اللغة ، ولم يفتقر فيه الى التوقيف منه ، بل اخذت الفاظ ومعان على هيئة مخصوصة ، وحكم لها العقل : بمزية من الحسن ، لا يشاركها فيها غيرها.

فان كل عارف باسرار الكلام ، من اى لغة كانت من اللغات ، يعلم : ان اخراج المعاني في الفاظ حسنة رائقة ، يلذها السمع ، ولا ينبو عنها الطبع ، خير من اخراجها في الفاظ قبيحة مستكرهة ، ينبو عنها السمع.

ولو اراد واضع اللغة : خلاف ذلك ، لما قلدناه.

فان قيل : لو اخذت اقسام النحو بالتقليد من واضعها لما اقيمت الأدلة عليها وعلم بقضية النظر : ان الفاعل يكون مرفوعا ، والمفعول منصوبا.

فالجواب عن ذلك : انا نقول : هذه الادلة واهية ، لا تثبت على محك الجدل ، فان هؤلاء الذين تصدوا لاقامتها ، سمعوا عن واضع اللغة : رفع الفاعل ، ونصب المفعول ، من غير دليل ابداه ، لهم فاستخرجوا لذلك ادلة وعللا ، والا فمن أين علم هؤلاء : ان الحكمة التى دعت الواضع الى رفع الفاعل ونصب المفعول ، هى التى ذكروها؟

(وقد سبق الى بعض الأوهام) السخيفة ، صاحبه الزوزنى : (ان اجتماع الحروف المتقاربة المخرج ، سبب للثقل)، اي : للتنافر (المخل بفصاحة الكلمة).

فاستلزم توهمه : القول باشتمال القرآن : على كلمة غير فصيحة

Bogga 399