Dhibaatooyinka Casriga ah ee Magaalooyinka
معضلات المدنية الحديثة
Noocyada
أساس الحضارة المقبلة
أهو الرقي الأدبي أم النشوء العضوي؟
1
قال أحد الباحثين في أمريكا: «إن العجز عن العثور على برهان يثبت ارتقاء العقل الإنساني خلال زمان التاريخ، هو عندي أنصع برهان على خلق العقل البشري وعدم خضوعه لما تقوم عليه نظرية التطور من القواعد.»
وقد يكون هذا الزعم مؤيدا لما يراه الكثيرون من الباحثين، وعلى الأخص الذين عكفوا على درس التاريخ الإنساني والأدب القديم، في حين أن الذين عمقوا في درس علم الجيولوجيا ومذاهب التطور الحديثة لا يرون فيه إلا ظاهرا من القول ضعيف الأساس، أما الواقفون على حقائق علم الآثار المتحجرة - البالينتولوجيا - فيعرفون أن مذهب النشوء ليس مذهبا يحتاج إلى برهان يثبته، بل يوقنون بأنه ناموس طبيعي ثابت وأنه حقيقة واقعة تؤيدها المشاهدات والتجربة، حتى إنهم لكثرة ما يرون من أوجه تطبيقه على دقائق الحياة وتفاصيلها يتعذر عليهم أن يعتقدوا بأن باحثا اكتملت في عقله قوة القياس والاستنتاج يمكن أن يشك في حقيقة هذا الناموس، إلا كما يشك في نواميس الطبيعيات والكيمياء.
وعلى الرغم من كل هذا فإني موقن بأن ذلك القول الذي فاه به هذا الباحث صحيح من كل الوجوه إذا أخذ على ظاهره، أما حقيقة ما أراد أن يستدل به عليه فلا يمكن التسليم بها، فإن كل ما عرفت وقرأت من حقائق التاريخ يدلني على أن هذا القول صحيح، فلست أرى من وجه يقنعني بأن القوى العاقلة في الإنسان قد ارتقت ارتقاء ما خلال زمان التاريخ المدون، فإنك إذ تقرأ محاورات أفلاطون تشعر بأنها قد كتبت لتستوعبها عقول فيها من الذكاء وحدة الإدراك بقدر ما في عقول طلاب الفلسفة في زماننا هذا، وكذلك تجد أن قوة الإدراك والفهم في عقول الذين كتبوا الأناجيل ليست بأقل منها في عقول الكتاب المحدثين، ولا ريبة في أن تجمع المعرفة وتوارثها قد أديا بطبيعة الحال إلى تقدم كبير في معرفتنا بالحقائق والكليات العلمية والفلسفية التي تقوم عليها، ولقد كان أثر هذا التجمع أبلغ في تكوين مستحدثات المدنية وضرورياتها منه في أي عصر آخر، كما كان لاختراع الطباعة وتسهيل طرق المواصلات أثر كبير في أن تمضي الحضارة نحو الارتقاء في خطوات أوسع وأسرع. ولكني لا أكاد أرى دليلا مقنعا على أن القدرة العقلية قد ارتقت خلال زمان التاريخ، وإني على يقين من أن الارتقاء في هذه الصفة ضئيل، إن كان هناك ارتقاء على إطلاق القول.
على أن للعقل الإنساني نواحيه المتشعبة المختلطة، وإني أعتقد بأن العقل البشري قد ارتقى وتطور في نواح أخرى غير تلك التي أصدر عليها الكاتب حكمه، وعلى هذا يقوم كثير من الظواهر والمشاهدات، تلك هي النواحي الأدبية والأخلاقية لدى مقابلتها بالناحية العقلية الصرفة. هنا نستطيع أن نعثر سواء في مظاهر التفكير أم في مظاهر العمل على دلائل من الارتقاء بالغة الأثر، وعلى تهذيب بطيء التقدم غير مفصوم الحلقات ولا مقطوع التسلسل، وعلى الأخص إذا قابلنا بين المثل التي نقع عليها في كتابات القدماء، وكتابات المحدثين. وإنني أستعمل هنا لفظ «الصفات الأدبية» ليشمل كل الحقوق والواجبات والآراء والأعمال التي تؤدي إلى تفضيل مصالح الأفراد المستقبلة على مصالحهم الحاضرة، أو بالأحرى المستقبل على الحاضر، والتي تسوق إلى بذل المصالح الفردية الضئيلة ابتغاء الاحتفاظ بالمصالح القومية الكبيرة، والتي تؤدي دائما إلى ارتقاء الحياة والنظم الاجتماعية.
خذ أول كل شيء النظرة الحديثة في المجرمين، فإنا لا نعاقبهم اليوم على قاعدة العين بالعين والسن بالسن؛ لأن هذه المعاقبة لا تتفق والآراء الحديثة في الجريمة والعقاب، مع أننا معتقدون بأن هذه القاعدة هي هي التي تقوم في عقول المجرمين.
ثم ارجع إلى صفة الشجاعة، وانظر كم من الجبناء يمكن أن تعد بين صفوف المحاربين في حرب ما؟ إنك قلما تعثر على فرد هنا أو هناك اتصف بهذه الصفة الدنيا من بين الملايين الذين يؤخذون من أحضان الحضارة ليعيشوا في بيئة كل مقوماتها بعيدة عن عاداتهم وحاجاتهم المدنية، بالغة منتهى ما تتصور من البعد عن استكمال معدات الراحة الجسمية والعقلية، ويبقون فيها معرضين لأشد آلات الحرب فتكا شهورا وأعواما، لا بضع ساعات تقضى في موقعة قصيرة كما كان الواقع في الحروب القديمة، وهذا ضرب من الشجاعة والصبر واحتمال المشاق لم يتصف به في العصور الغابرة سوى بضعة أفراد حملهم التاريخ في صدره كصور نادرة المثال. أما التراجع بغير انتظام والفوضى والهرب بعد حرب تدوم ساعة أو بضع ساعات، فكان النصيب المحتوم في الحروب القديمة لأحد الفريقين المتقاتلين، ولكنك لا تجد لهذا الجبن من مثل في عصرنا هذا. أما الروح التي قضت على هذه الصفة الخسيسة فليست قوة في الأجسام ولا خشونة في التكوين أو الخلق ولا استهانة بالحياة، بل هي روح البذل والتضحية ظاهرة أو كامنة وراء ستارها، تعمل في سبيل مثل أعلى، لا يعود خيره على أقوام دون أقوام، بل يعم خيره الإنسانية والحضارة، على مقتضى ما يلوح لفريقي المتحاربين من معنى ذلك الخير وقوامه.
أما صفة ضبط النفس فلها مظهران: مظهرها الخاص ومظهرها العام، والأول خاص بالفرد والأسرة، والثاني بالجماعة.
Bog aan la aqoon