Dhibaatooyinka Casriga ah ee Magaalooyinka
معضلات المدنية الحديثة
Noocyada
كثيرا ما يخطئ الباحثون والفلاسفة في تطبيق اصطلاح ما بعد الطبيعة - الغيبيات - على نظرية النسبية الحديثة، فلقد مضى كثير من العلماء يعتقدون بأن مباحث الغيبيات على تباين نواحيها وتشعب مناحيها، هي العقبة الكئود التي تصد العلوم الطبيعية عن التقدم والارتقاء، أنزلها في هذه المنزلة فئة من الباحثين ظهروا في خلال ذلك العصر الذي تقدمت فيه العلوم الإثباتية اليقينية لتأخذ مكانتها الخليقة بها في سلم المعارف الإنسانية. ولقد ماشى الباحثون أوغست كونت في طريقه هذه، حتى لقد اعتقدوا بأن مباحث الغيبيات هي الباعث على ذيوع الجمود الفلسفي
، ولا تزال هذه الآراء عالقة بهذه المباحث الفلسفية منذ ذلك العهد، غير أن مباحث العصور الأخيرة كانت كفيلة بأن تبرز فئة من العلماء يقولون اليوم بأن مباحث الغيبيات الفلسفية يجب أن تسد فراغا ما في ترتيب العلوم الإنسانية، قيل إن تعريف أرسطوطاليس لما بعد الطبيعة - الغيبيات - بأنها «البحث في الأشياء التي تقع وراء المحسوس»، لا يسوق بنا إلا إلى جهة مظلمة لم نعرف بعد شيئا من طبيعتها، والاحتمال الغالب أننا لن نبلغ منها بشيء من العلم الصحيح. وكثيرا ما تطلع الباحثون إلى تلك الجهة المبهمة الغامضة من الفلسفة، ولكنهم لم يدركوا من ماهية ما تناولته أبحاثهم شيئا، لا بالحس النظري ولا بالاختبار العملي، وعلى ذلك تكون مباحث ما بعد الطبيعة في النفس وأصل الكون وعلة العلل وما إلى ذلك، تصورات مجردة، وليست بموضوعات يمكن أن نبلغ منها بمعرفة بالمعنى العلمي المحض، أو أنها - في اعتبارهم على الأقل - موضوعات لا تتناولها طرائق العلم الاختباري.
غير أن التسليم بصحة مثل هذه المزاعم لا محالة يؤدي بنا إلى اطراح كل التقاليد العلمية التي ورثناها عن الأقدمين حتى الآن، ذلك لأن العلوم الحديثة على ما هي عليه الآن نتاج لتحدي الطريقة الاختبارية في البحث وتطور وجوه النظر فيها على مدى الأزمان، في حين أن هذه الطريقة الاختبارية ذاتها، وهي الأصل الذي تقوم عليه العلوم الحديثة، ليست مسألة واضحة بذاتها، كما أنها ليست بمسألة نظرية عقلية تقوم في النفس بطبيعتها ومهيآتها الخاصة بها، ذلك لأنها تحتاج إلى فكرة مجردة، وإدراك العقول لها لا يمكن أن يتم بالرجوع إلى مبادئ المجردات الغيبية.
أما التفريق بين طريق العلم الاختباري وبين المبادئ التي تقوم عليها الغيبيات، ووصفك الأولى بأنها مبعث العلم ومستكنه ووصفك الثانية بأنها منشأ الجهالات والتطوح وراء ما لا يمكن معرفته؛ فمسألة لا نستطيع على أي وجه من وجوه الرأي تقبلها، أن نتوخى للنظر فيها سبيلا يبعدها عن التناقض واللبس، بل إننا لا نخطئ إذا قلنا بأنها مضادة لبديهة العقل.
أما السبب الذي أدى إلى القول بأن مباحث الغيبيات أشياء بعيدة عن العلم الصحيح أو أنها خطرات وهم وتصورات خيالية؛ فتلك المنزلة التي تنزلها علوم الطبيعة من الرياضيات الصرفة، في حين أن الرياضيات لا تلجأ إلى الطريقة الاختبارية مطلقا، ومع هذا فإنها تقع في ترتيب العلوم وتبويبها وعلاقة بعضها ببعض موقعا تقوم فيه بذاتها عن غيرها، فتعتبر دعامة وأساسا يبنى عليه لتشييد العلوم العليا في المعارف الإنسانية، والرياضيات فوق ذلك علوم جامدة تتناول الكميات فقط، وبذلك تفقد الصفة الجوهرية التي يتطلبها العلم الاختباري، تفقد صفة الاشتقاق، وهذه فجوة لا يسد فراغها إلا الغيبيات.
في عصر الفلسفة الحديثة، منذ ديكارت حتى اليوم، زاد على العقول ضغط المسألة العلمية، وما نقصد بذلك إلا أننا إذا أردنا أن نحصل على الحقائق الثابتة لزمنا أن نرجع إلى العلوم الطبيعية نستدر وحيها من طريق الاختبار. ولقد حلت الفوائد التي أحس بها الناس من مزاولة العلم الطبيعي وحقائقه الملموسة، محل اللذة التي كان يتذوقها الناس في فلسفة القرون الوسطى، تلك التي حصرت همها وبذلت كل جهدها في البحث في أصل النفس الإنسانية ومنقلبها خاصة، وفي علاقة الإنسان بالله عامة. وإنا إذا قلنا اليوم بأن الفلسفة الحديثة تشارك الفلسفة اليونانية القديمة في أمر، فليس ذلك في النتائج العلمية؛ لأن الفلاسفة اليونانيين إن كانوا في الواقع رياضيين قبل كل شيء فلم يكن لهم من فكرة في الأسلوب العلمي كما نطبقه اليوم، وكذلك نشك فيما كان يمكن أن يكون من تقبلهم لهذه الطريقة على قواعد عقلية عملية صرفة، حتى إذا كانوا عرفوها.
إن مبدأ النسبية نتاج مباشر لتطبيق الطريقة الاختبارية، والواقع أن هذه الطريقة لا تستمد قوتها وتأثيرها في العقول إلا من طريق ثقتنا التامة بما ندرك من حقائق الغيبيات، التي هي أساس هذه الطريقة والمرجع الوحيد الذي يعود إليه السبب في وضعها. ولقد أحاطت الطريقة الاختبارية بالعقل الحديث إحاطة تامة فكأنها شيء يملك من العقول ما تملك الصفات الوراثية النظرية الثابتة فيها، فإذا أثبت الاختبار أن مقدارا من السرعة يكون ثابتا تحت تأثير حالات يخيل إلينا معها أنها متغايرة غير ثابتة، أو إذا دلت التجاريب على أن الحركة المستمدة من نبع من الضوء لم تؤثر أثرها المنتظر في سرعة انتشاره، فهنالك نضطر إلى تعديل إدراكنا للصورة التي تتكيف بها الحقيقة عندنا بما يوافق نتيجة التجربة أو الاختبار.
مضى الناس يعتقدون بأن المكان والزمان شيئان ثابتان نرجع إليهما في الحكم والقياس، فلما نقضت نتيجة الاختبار هذه الفكرة، إذ ثبت أن المكان والزمان ليسا إلا ظلالا متنقلة ماضية في التغير والاختلاف؛ رجعنا إلى القول بأنه لا يبقى من شيء ثابت إلا نسبة سرعة الأجرام؛ لأنها وحدها تبقى ثابتة خلال تغير الحالات العامة، أي إننا عدلنا إدراكنا للصورة التي تحيزت بها الحقيقة في عقليتنا بما يوافق نتائج التجاريب.
والذين يعتقدون بأن النسبية مبدأ رياضي صرف، وينفون علاقتها بالغيبيات - ما بعد الطبيعة - يكرهون أو يستنكرون تدخل الغيب في بلاغة معادلاتها الجبرية، ويدركون تلك النظرية إدراك من يعتقد بأنها مسألة أسلوبية صرفة لا تختص بشيء إلا بالقياسات الكمية الجامدة، وأنها بذلك تستعيض بطائفة من المعادلات الاصطلاحية على ما فيها من الصعوبة أو الغموض الشديد عن أشياء أخر أسهل منالا وأقرب استيعابا، فتقصيها عن طريق البحث حبا في الضبط المطلق كما يقولون، واستماتة في إحكام أطراف البحث والاستقصاء. ولقد يلوح إلي أن الذين يعتقدون بهذا الاعتقاد لا يقدرون هذه النظرية قدرها، ولا ينزلونها من الخطر منزلتها الحقيقية، فإن هذه النظرية لا يمكن أن تفهم تمام الفهم إلا إذا توبع بحثها من طريق علاقتها التاريخية بما دعم عظماء الفلاسفة وأقاموا من أركان الغيبيات.
لقد ظلت المذاهب الفلسفية منذ عهد ديكارت دائرة حول نقطتين اثنتين: حول المادة وما أدرك العقل الإنساني منها، وحول العلة ونظرية النسبية بناحيتيها، ناحيتها الخاصة وناحيتها العامة، لا يخرج النظر فيها عن هاتين المسألتين: المادة والعلة، أما الناحية الأولى من النسبية، بما تسوق إليه من إنكار فرض الأثير، فهي تعتبر بمثابة تعديل فيما كنا ندرك من المادة، والناحية الثانية بما في نظريتها الحديثة في الجاذبية من تأثير التعادل في قوة جاذبة مفروضة، عدلت فيما كنا ندرك من العلة.
Bog aan la aqoon