Masar iyo Ilbaxnimada Islaamka
مصر والحضارة الإسلامية
Noocyada
كما كانت مكتبة القصر أعظم المكتبات في العالم كله، وضرب معظم الخلفاء الفاطميين للمسلمين أحسن الأمثلة في التسامح الديني.
أما في عصر الدولة الأيوبية، فقد استطاع صلاح الدين أن يوقع بالصليبيين الهزيمة الساحقة في واقعة حطين، ثم فتح بيت المقدس، وجعل مملكتهم في الشام تنكمش، ولو توفر له أسطول قوي لقضى عليها نهائيا. وقد غزا الصليبيون مصر في العصر الأيوبي، ونجحوا مرتين في الاستيلاء على دمياط: الأولى سنة 615ه/1218م، وقد هزمهم بعد ذلك الملك الكامل في المكان الذي أطلق عليه بعد ذلك اسم «المنصورة» إشارة إلى هذا النصر، وبرغم الفظائع الكثيرة التي أتاها الصليبيون في دمياط فإن السلطان الأيوبي الملك الكامل كان شديد التسامح معهم فأكرم أسراهم ومنحهم هدنة طويلة؛ حتى أنهم كتبوا إليه بعد إخلاء دمياط يعترفون بكرمه وحسن معاملته، ويذكرون له نقله المرضى والعجزة على نفقته، وأنه منع إهانة المسيحيين بالقول أو الإشارة. أما المرة الثانية التي استولى فيها الصليبيون على دمياط، فكانت في الحملة الصليبية التي قادها لويس التاسع ملك فرنسا سنة 647ه/1249م، وتقدم لويس بجيشه إلى المنصورة، ولكنه أسر في واقعة فارسكور ومعه معظم الأشراف من رجال جيشه، ولم يفك أسرهم إلا بعد فدية عظيمة، وقد أضعف فشل هذه الحملة روح الصليبيين إلى أبعد حد.
وكان للأيوبيين وعلى رأسهم صلاح الدين الفضل في إرجاع المذهب السني إلى مكانته الأولى في الشرق الأدنى بعد أن أضعفه الفاطميون إلى أبعد حد، ومن أعظم منشآت الأيوبيين في الشام ومصر المدارس، وأول ما نشأت المدرسة بهذا الاسم كان على يد السلاجقة في إيران، وانتقلت منها إلى مصر والشام على يد الأيوبيين، وكان من أول أغراضها نشر التعاليم السنية، وتخريج الأساتذة والموظفين المخلصين للمذهب السني، والذين يعملون على محاربة التعاليم الشيعية ... وفضلا عن ذلك فإن سلاطين الأيوبيين كانوا ذوا مقدرة سياسية يحسنون المفاوضات مع المسيحيين، ويعقدون مع بعضهم الاتفاقات الحربية، والمعاهدات التجارية التي تعود على مصر بالنفع العميم.
ويلوح أن تطورا جديدا نشأ على يد الأيوبيين في العلاقة بين مصر والشام، فإن الأخيرة لم تعد إقليما يفتحه أمراء مصر الأقوياء، ويحكمونه من مصر نفسها، بل كان سلاطين الأيوبيين حكاما على مملكة إسلامية في الشرق الأدنى قوامها مصر وسورية متحدتين، وكذلك كان الحال في عصر المماليك، والميزة الأولى للأيوبيين أنهم حموا مصر والعالم الإسلامي من هجمات الصليبيين، ولكن الذين وجهوا الضربات القاضية إلى الصليبيين هم السلاطين المماليك. فالسلطان الظاهر بيبرس البندقداري بزغ نجمه في عصر سلفه السلطان قطز حين تولى قيادة الجيش المملوكي الذي أوقع بالمغول هزيمة حاسمة في معركة «عين جالوت» بفلسطين سنة 657ه/1259م.
وكان المغول قد أخذوا بغداد في العام السابق، وقتلوا الخليفة العباسي المستعصم بالله، ثم استولوا على سورية، وهددوا مصر، بل أرسلوا إلى السلطان المملوكي يطلبون منه الخضوع لهم. ولا ريب في أن هجوم المغول كان من أشد الأخطار التي هددت الشرق الأدنى والحضارة الإسلامية، فإنهم لو تم لهم الاستيلاء على القاهرة لخربوا عمائرها، ونهبوا كنوزها الفنية، وأتلفوا مخطوطاتها الثمينة، ونقلوا صناعها، ولما أتيح لوادي النيل أن يعرف ازدهار العلوم والفنون الذي كان مسرحا له في عصر المماليك. ومما يزيد في جلال العمل الحربي الذي قام به المماليك في صد المغول أن قدوم هؤلاء إلى الشرق الأدنى كان بتفاهم مع الصليبيين، ومع ملك أرمينية، وأن المغول حين تمت لهم السيادة على الأقاليم الداخلية في سورية كانوا على وفاق مع الصليبيين الحاكمين في إقليم الساحل، فأصبح الإسلام في الشام ومصر مهددا بأن يفقد كل سلطان سياسي، وكان المغول في الشام يضطهدون المسلمين، ويشملون المسيحيين برعايتهم.
ولم يكن بيبرس قائدا عظيما فحسب، أو حاكما شديد العناية بتنظيم الجيش، وإنشاء البحرية، وإصلاح الثغور والحصون، وإنشاء البريد، وتعبيد الطرق، وتخفيف الضرائب، ولم يعن فقط بعمارة الحرم النبوي وقبة الصخرة تدعيما لنفوذ مصر على الأماكن المقدسة، وبشن الحروب على الصليبيين الذين أنهكتهم المنافسات، والجري وراء المنافع المادية، والذين لم يبقوا بعد صلاح الدين إلا بفضل النزاع بين خلفائه من الأمراء الأيوبيين، ولم يكن فقط صاحب الفضل في القضاء على طائفة الحشيشيين التي كانت تؤذي المسلمين والمسيحيين على السواء، لم تكن لبيبرس كل هذه المزايا فحسب، بل كان سياسيا عظيما. وحسبه فخرا في هذا الميدان أنه نجح في تحقيق حلم أحمد بن طولون فجعل مصر عاصمة الخلافة السنية. أجل، إن ابن طولون فكر قبل بيبرس بأربعة قرون في هذا المشروع الخطير، فدعا الخليفة العباسي المعتمد على الله إلى القدوم إلى مصر هربا من الموفق الذي كانت له السلطة العليا في الجيش والحكومة، والذي اغتصب السلطان حتى لم يبق للخليفة منه شيء. وطبيعي أن وجود الخليفة في وادي النيل كان من شأنه أن يزيد في نفوذ ابن طولون، ولو نجح هذا المشروع لتغيير إلى حد ما مستقبل الخلافة ومستقبل مصر، ولكن الواقع أن المعتمد لم يفلح في الهرب إلى مصر؛ إذ قبض عليه عيون أخيه الموفق، وأرجعوه إلى عاصمته شبه سجين. أما بيبرس، فإنه أراد تثبيت مركزه من الوجهة الشرعية فاستدعى من الشام سنة 659ه/1261م أميرا من الأسرة العباسية كان قد فر من بغداد عندما فتحها التتار، وقتلوا المستعصم بالله سنة 656ه/1258م.
وقدم هذا الأمير إلى مصر معززا مكرما، وبايعه السلطان بيبرس خليفة على المسلمين باسم المستنصر بالله، «فلما تمت البيعة قلد الإمام المستنصر بالله السلطان الملك الظاهر البلاد الإسلامية، وما ينضاف إليها، وما سيفتحه الله على يده من بلاد الكفار، ثم قام الناس فبايعوا الخليفة المستنصر على اختلاف طبقاتهم، وكتب في الوقت إلى الملوك والنواب بسائر الممالك أن يأخذوا البيعة على من قبلهم للخليفة المستنصر ... وأن يدعى له على المنابر، ثم يدعى للسلطان بعده، وأن تنقش السكة باسمهما.»
9
وهكذا تم على يد بيبرس قيام سلسلة جديدة من الخلفاء العباسيين، ولكن الحق أنهم لم يكن لهم من الخلافة أكثر من الاسم، وكان أهم أعمالهم إدارة الوقف، والاعتراف بالسلطان، ومنحه التفويض بالحكم في احتفال التولية، وقد أضاف بيبرس وخلفاؤه من السلاطين المماليك إلى ألقابهم لقبا جديدا، هو «قسم أمير المؤمنين»، ويشير هذا اللقب إلى طبيعة العلاقة بين الخليفة والسلطان. ولعل هذه لم تكن المرة الأولى التي منح فيها خليفة عباسي مستضعف مثل هذا اللقب إلى أمير من الأمراء، فقد سبق أن منحه الخليفة العباسي المستظهر للسلطان السلجوقي غياث الدين محمد (498-511ه).
10
Bog aan la aqoon