Mirqat Mafatih
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح
Daabacaha
دار الفكر
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م
Goobta Daabacaadda
بيروت - لبنان
لَهُمْ أَجْرَانِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قِيلَ: وَإِنَّمَا لَمْ يُضَمَّ مَعَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثِ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ أَنَّ لَهُنَّ الْأَجْرَ مَرَّتَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِهِنَّ، وَمَا هُنَا عَامٌّ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ): قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَأَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ. بِلَفْظِ: «ثَلَاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَأَدْرَكَ النَّبِيَّ ﷺ فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ، وَصَدَّقَهُ، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَعَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ سَيِّدِهِ، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَرَجُلٌ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ فَغَذَاهَا فَأَحْسَنَ غِذَاءَهَا، ثُمَّ أَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا، وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا، فَلَهُ أَجْرَانِ» .
١٢ - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: («أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ. فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، إِلَّا أَنَّ مُسْلِمًا لَمْ يَذْكُرْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ.
ــ
١٢ - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄: مَرَّ ذِكْرُهُ [قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أُمِرْتُ)]: لَمْ يَذْكُرِ الْآمِرَ لِلْعِلْمِ بِهِ، أَيْ أَمَرَنِي رَبِّي بِالْوَحْيِ الْجَلِيِّ أَوِ الْخَفِيِّ [(أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ)] أَيْ: بِأَنْ أُجَاهِدَهُمْ وَأُحَارِبَهُمْ. فَـ " أَنْ " مَصْدَرِيَّةٌ، أَوْ مُفَسِّرَةٌ لِمَا فِي الْأَمْرِ مِنْ مَعْنَى الْقَوْلِ [(حَتَّى يَشْهَدُوا)] وَفِي رِوَايَةٍ: حَتَّى يَقُولُوا [(أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ)] أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّاسِ عَبْدَةُ الْأَوْثَانِ دُونَ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا يُرْفَعُ عَنْهُمُ السَّيْفُ إِلَّا بِالْإِقْرَارِ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ ﵊ أَوْ إِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ النَّسَائِيُّ: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ الْمُشْرِكِينَ، وَلَا يَتِمُّ هَذَا إِلَّا عَلَى رِوَايَةٍ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الْمُرَادُ الْأَعَمُّ، لَكِنْ خُصَّ مِنْهُ أَهْلُ الْكِتَابِ بِالْآيَةِ. قِيلَ: وَهُوَ الْأَوْلَى لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْقِتَالِ نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ مَعَ كُلِّ مَا يُخَالِفُ الْإِسْلَامَ، قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي " الشَّامِلِ ": لَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ ﷺ فُرِضَ عَلَيْهِ التَّوْحِيدُ وَالتَّبْلِيغُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِ: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق: ١] ثُمَّ فُرِضَ الصَّلَاةُ بِمَكَّةَ، وَفُرِضَ الصَّوْمُ بَعْدَ سَنَتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَالْحَجُّ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ أَوِ الْخَامِسَةِ، وَأَمَّا الزَّكَاةُ فَقِيلَ بَعْدَ الصِّيَامِ، وَقِيلَ قَبْلَهُ، وَأَمَّا الْجِهَادُ فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ بِمَكَّةَ، وَأُذِنَ لَهُ بِالْمَدِينَةِ لِمَنِ ابْتَدَأَ بِهِ، ثُمَّ ابْتَدَأَهُمْ بِهِ دُونَ الْحَرَمِ وَالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ وَأُبِيحَ ابْتِدَاؤُهُمْ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَالْحَرَمِ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: حَتَّى غَايَةٌ لِـ " أُمِرْتُ " أَوْ " أُقَاتِلَ " وَهُوَ أَوْلَى، أَيْ إِلَى أَنْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: مَا لَمْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ إِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِهَا، أَوْ يُعْقَدْ لَهُمْ أَمَانٌ أَوْ هُدْنَةٌ إِنْ كَانُوا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا كَمَا اسْتُفِيدَ مِنْ أَدِلَّةٍ أُخْرَى اهـ.
وَقَوْلُهُ: وَهُوَ أَوْلَى، خِلَافُ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ تَتَعَيَّنُ لِلْمُقَاتَلَةِ الْقَابِلَةِ لِلِاسْتِمْرَارِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ غَايَةً لِلْأَمْرِ؛ لِعَدَمِ الِاسْتِقْرَارِ [(وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ)] أَيِ الْمَفْرُوضَةَ، بِأَنْ يَأْتُوا بِشَرَائِطِهَا وَأَرْكَانِهَا الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا. قِيلَ فِيهِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ يُقْتَلُ بِشَرْطِهِ الْمُقَرَّرِ فِي الْفِقْهِ، وَفِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُقَاتَلَةِ لَا فِي الْقَتْلِ، وَمُقَاتَلَةُ الْإِمَامِ لِتَارِكِي الصَّلَاةِ إِلَى أَنْ يَأْتُوا بِهَا مَحَلُّ وِفَاقٍ مَعَ أَنَّهُ مَنْقُوضٌ بِتَرْكِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ. [(وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ)]: وَهِيَ لَا تَكُونُ إِلَّا مَفْرُوضَةً، وَفِيهِ دَلِيلٌ لِقِتَالِ مَانِعِيهَا، وَلَا نِزَاعَ فِيهِ، وَمِنْ ثَمَّ قَاتَلَهُمُ الصِّدِّيقُ، وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ ﵃ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ حَتَّى يَقْبَلُوا فَرْضِيَّتَهُمَا، ثُمَّ قِيلَ: أَرَادَ الْخَمْسَةَ الَّتِي بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا خُصَّتَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمَا أُمُّ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ وَأَسَاسُهُمَا، وَالْعُنْوَانُ عَلَى غَيْرِهِمَا، وَلِذَا كَانَتِ الصَّلَاةُ عِمَادَ الدِّينِ، وَالزَّكَاةُ قَنْطَرَةُ الْإِسْلَامِ، وَقُرِنَ بَيْنَهُمَا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرًا، أَوْ لِكِبَرِ شَأْنِهِمَا عَلَى النُّفُوسِ لِتَكَرُّرِهِمَا، أَوْ لَمْ يَكُنِ الصَّوْمُ وَالْحَجُّ مَفْرُوضَيْنِ حِينَئِذٍ، وَالْمُرَادُ: حَتَّى يُسْلِمُوا. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ («حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ»)؛ وَلِهَذَا حُذِفَتَا فِي رِوَايَةٍ اسْتِغْنَاءً عَنْهُمَا بِالشَّهَادَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا الْأَصْلُ، وَالتَّحْقِيقُ أَنْ يُقَالَ: الشَّهَادَةُ إِشَارَةٌ إِلَى تَخْلِيَةِ لَوْحِ الْقَلْبِ عَنِ الشِّرْكِ الْجَلِيِّ وَالْخَفِيِّ، وَسَائِرِ النُّقُوشِ الْفَاسِدَةِ الرَّدِيَّةِ، ثُمَّ تَحْلِيَتُهُ بِالْمَعَارِفِ الْيَقِينِيَّةِ، وَالْحِكَمِ الْإِلَهِيَّةِ، وَالِاعْتِقَادَاتِ الْحَقِّيَّةِ، وَأَحْوَالِ الْمَعَادِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأُمُورِ الْغَيْبِيَّةِ وَالْأَحْوَالِ الْأُخْرَوِيَّةِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَثْبَتَ اللَّهَ بِجَمِيعِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا اسْمُ اللَّهِ، وَنَفَى غَيْرَهُ، وَصَدَّقَ رِسَالَةَ النَّبِيِّ بِنَعْتِ الصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ - فَقَدَ وَفَى بِعُهْدَةِ عَهْدِهِ، وَبَذَلَ غَايَةَ جَهْدِهِ فِي بِدَايَةِ جَهْدِهِ، وَآمَنَ بِجَمِيعِ مَا وَجَبَ مِنَ الْكُتُبِ، وَالرُّسُلِ، وَالْمَعَادِ، وَلِذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِأَعْدَادِ سَائِرِ الْأَعْدَادِ، وَإِقَامَةُ الصَّلَاةِ إِرْشَادٌ إِلَى تَرْكِ الرَّاحَاتِ الْبَدَنِيَّةِ، وَإِتْعَابِ الْآلَاتِ الْجَسَدِيَّةِ، وَهِيَ أُمُّ الْعِبَادَاتِ الَّتِي إِذَا وُجِدَتْ لَمْ يَتَأَخَّرْ
1 / 80