Mirqat Mafatih
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح
Daabacaha
دار الفكر
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م
Goobta Daabacaadda
بيروت - لبنان
فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا - كَانَ لَهُ أَجْرَانِ» [(فَأَدَّبَهَا)] أَيْ عَلَّمَهَا الْخِصَالَ الْحَمِيدَةَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِآدَابِ الْخِدْمَةِ؛ إِذِ الْأَدَبُ هُوَ حُسْنُ الْأَحْوَالِ مِنَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ، وَحُسْنُ الْأَخْلَاقِ [(فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا)] بِأَنْ يَكُونَ بِلُطْفٍ مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ [(وَعَلَّمَهَا)]: مَا لَا بُدَّ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ لَهَا [(فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا)]: بِتَقْدِيمِ الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ [(ثُمَّ أَعْتَقَهَا)] أَيْ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ ابْتِغَاءً لِمَرْضَاةِ اللَّهِ [(فَتَزَوَّجَهَا)] تَحْصِينًا لَهُ، وَرَحْمَةً عَلَيْهَا [(فَلَهُ)] أَيْ فَلِلرَّجُلِ الْأَخِيرِ [(أَجْرَانِ)] أَجْرٌ عَلَى عِتْقِهِ، وَأَجْرٌ عَلَى تَزَوُّجِهِ، كَذَا قَالُوهُ، وَقِيلَ: أَجْرٌ عَلَى تَأْدِيبِهِ وَمَا بَعْدَهُ، وَأَجْرٌ عَلَى عِتْقِهِ وَمَا بَعْدَهُ، وَيَكُونُ هَذَا هُوَ فَائِدَةُ الْعَطْفِ، ثُمَّ إِشَارَةٌ إِلَى بُعْدِ مَا بَيْنَ الْمَرْتَبَتَيْنِ، قِيلَ: وَفِي تَكْرِيرِ الْحُكْمِ اهْتِمَامٌ بِشَأْنِ الْأَمَةِ وَتَزَوُّجِهَا، وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ فِي (فَلَهُ) إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ، فَيَكُونُ التَّكْرِيرُ لِلتَّأْكِيدِ أَوْ لِطُولِ الْكَلَامِ فَيَكُونُ كَالْفَذْلَكَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ﴾ [البقرة: ٨٩] الْآيَةَ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ اخْتِصَارِ الرَّاوِي أَوْ نِسْيَانِهِ، وَقِيلَ: إِنَّمَا ذُكِرَ فِي الْأَمَةِ " فَلَهُ أَجْرَانِ " دُونَ مَا سَبَقَ تَأْكِيدًا لِحَالِهَا، فَإِنَّ مَا يُوجِبُ الْأَجْرَيْنِ فِيهَا مُسْتَحَبٌّ جَائِزُ التَّرْكِ، وَهُوَ الْإِعْتَاقُ وَالتَّزَوُّجُ، فَاحْتِيجَ إِلَى التَّأْكِيدِ لِئَلَّا يُتْرَكَ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ، فَإِنَّهُ وَاجِبٌ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ، أَوْ إِشْعَارًا بِأَنَّ مَا يُوجِبُ الْأَجْرَيْنِ مُخْتَصًّا بِالْأَمَةِ مِنْ جُمْلَةِ مَا ذُكِرَ فِيهَا مِنَ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ هُوَ الْإِعْتَاقُ وَالتَّزَوُّجُ، فَلِذَا ذُكِرَ عَقِيبَهُمَا " فَلَهُ أَجْرَانِ " بِخِلَافِ التَّأْدِيبِ وَالتَّعْلِيمِ، فَإِنَّهُمَا مُوجِبَانِ لِلْأَجْرِ فِي الْأَجْنَبِيِّ وَالْأَوْلَادِ، وَجَمِيعُ النَّاسِ فَلَا يَكُونُ مُخْتَصًّا بِالْإِمَاءِ، وَمِنْ ثَمَّةَ اتَّجَهَ سِيَاقُ الشَّعْبِيُّ لِهَذَا الْحَدِيثِ رَدًّا عَلَى مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُتَزَوِّجَ لِعَتِيقَتِهِ كَالرَّاكِبِ لِبَدَنَتِهِ أَيْ: فَلَا أَجْرَ لَهُ، وَكَانَ هَذَا هُوَ الْحَامِلُ لَهُمْ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ تَفْسِيرِهِمُ الْأَجْرَيْنِ بِوَاحِدٍ عَلَى الْعِتْقِ وَآخَرَ عَلَى التَّزَوُّجِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُحْسِنًا إِلَيْهَا إِحْسَانًا أَعْظَمَ بَعْدَ إِحْسَانٍ أَعْظَمَ بِالْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِيهِ تَخْلِيصٌ مِنْ قَهْرِ الرِّقِّ وَأَسْرِهِ، وَالثَّانِي فِيهِ التَّرَقِّي إِلَى إِلْحَاقِ الْمَقْهُورِ بِقَاهِرِهِ، قَالَ تَعَالَى فِي الزَّوْجَاتِ: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: ٢٢٨]، قَالَ الْكِرْمَانِيُّ، فَإِنْ قُلْتَ: مَا الْعِلَّةُ فِي تَخْصِيصِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ وَالْحَالُ أَنَّ غَيْرَهُمْ أَيْضًا كَذَلِكَ مِثْلَ مَنْ صَامَ وَصَلَّى، فَإِنَّ لِلصَّلَاةِ أَجْرًا وَلِلصَّوْمِ أَجْرًا، وَكَذَا مِثْلَ الْوَلَدِ إِذَا أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ وَالِدِهِ؟ قُلْتُ: الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْفَاعِلَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمْ جَامِعٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ بَيْنَهُمَا مُخَالَفَةٌ عَظِيمَةٌ كَأَنَّ الْفَاعِلَ لَهُمَا فَاعِلٌ لِلضِّدَّيْنِ اهـ.
وَفِيهِ أَنَّ هَذِهِ الضِّدِّيَّةَ بِعَيْنِهَا مَوْجُودَةٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقِّ الْوَالِدِ، فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ وَأَمْثَالُهَا، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ لِذِكْرِهَا نَفْيُ مَا عَدَاهَا عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَلِذَا قَالَ الْمُهَلَّبُ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَحْسَنَ فِي مَعْنَيَيْنِ مِنْ أَيِّ فِعْلٍ كَانَ مِنْ أَفْعَالِ الْبِرِّ كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ. وَقَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الطَّوَائِفَ الثَّلَاثَةَ لِكُلٍّ مِنْهَا أَجْرَانِ بِسَبَبِ عَمَلٍ وَاحِدٍ، بِشَرْطِ مُقَارَنَةِ عَمَلٍ آخَرَ، فَالَّذِي آمَنَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ لَهُ أَجْرَانِ بِسَبَبِ الْإِيمَانِ بِنَبِيِّنَا، لَكِنْ بِشَرْطِ الْإِيمَانِ بِنَبِيِّهِ، وَالْعَبْدُ الْمَولَى لَهُ أَجْرَانِ بِسَبَبِ أَدَاءِ حَقِّ اللَّهِ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَدَاءِ حَقِّ مَوْلَاهُ، تَأَمَّلْ اهـ.
وَأَنْتَ إِذَا تَأَمَّلْتَ ظَهَرَ لَكَ أَنَّ الْمُقَارَنَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ أَصْلًا، وَأَنَّ الْأَجْرَيْنِ إِنَّمَا هُوَ فِي مُقَابَلَةِ الْإِيمَانَيْنِ وَأَدَاءِ الْحَقَّيْنِ، فَالْوَجْهُ مَا قَدَّمْنَاهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ نَسْخِ الْأَدْيَانَ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنْ لَا ثَوَابَ لِأَصْحَابِهَا مُطْلَقًا - دَفَعَهُ بِهَذَا الْقَوْلِ، وَكَذَا الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْعَامَّةِ أَنَّ ثَوَابَ عِبَادَةِ الْمَمْلُوكِ لِلْمَالِكِ، فَلِذَا خَصَّهُ بِالذِّكْرِ، وَرُبَّمَا كَانَ يُقَالُ: إِنَّ إِعْتَاقَ الْجَارِيَةِ وَتَزَوُّجَهَا لِغَرَضِ نَفْسِهِ، وَهُوَ طَبْعٌ، فَلَا يَكُونُ فِيهِمَا أَجْرٌ، فَرَفَعَهُ وَبَالَغَ فِيهِ وَقَالَ: لَهُ أَجْرَانِ، أَوْ يُقَالُ: لَمَّا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ فِي زَمَانِ الْجَاهِلِيَّةِ مُمْتَنِعًا مِنَ الْعَمَلِ الثَّانِي فَخَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ وَحَضَّهُمْ عَلَى الْفِعْلِ بِقَوْلِهِ:
1 / 79