Minhaj Muttaqin
كتاب منهاج المتقين في علم الكلام(للقرشي)
Noocyada
وأما سائر الشيوخ فيستدلون بأن عند حصول الحاسة يصح أن يرى أحدنا، وعند فقدها يستحيل أن يرى، فدل ذلك على أنها شرط ويبطلون ما يدعيه الخصوم من أن طريق ذلك العادة بأنه كان يجوز اختلاف العادة، فيصدق من يخبرنا بأن في بعض البلاد رجلا يرى لا بحاسة كما يصدقونه في أنه زرع زرعا فلم ينبت. وبعد فلا بد فيما طريقه العادة أن يفارق ما طريقه الوجوب، ولولا هذا لاستوى في العقل الواجب والجائز، فجوزنا أن تكون المعلولات والمسببات بمجرى العادة، ويمكن أن يؤكد بما تقدم من أن الخصوم يوافقون في استحالة الرؤية لا بآلة، وذلك كاف في الغرض وإن جوزوا حصول الإدراك /147/ والعلم والقدرة ونحوها في الجزء المنفرد.
فإن قيل: إذا جوزوا حصول هذه المعاني في الجزء المنفرد فقد جوزوا الإدراك لا بحاسة ولا بآلة؛ لأن الحاسة من حقها أن تكون مبنية بنية مخصوصة والآلة من حقها أن تكون في حكم الغير للحي، ومذهبهم يقتضي جواز أن يكون الحي المدرك القادر العالم جزءا منفردا.
قلنا: هذا وإن كان مذهب القوم فإن كلامنا في رؤية الواحد منا في الدنيا والآخرة، وهم يوافقون في أنه ليس أحد منا جوهرا فردا حتى يكون قد أدرك لا بحاسة ولا بآلة. على ان هذا لا يضرنا في صحة الدليل لأنا حيئذ نقول في عقد الدلالة الواحد منا متحيز والمتحيز لا يرى إلا ما كان مقابلا أو حالا في المقابل أو في حكم المقابل، ثم أنا نبطل ما قالوه بأنه لو صح حصول هذه المعاني من دون بنية لجوزنا في أجزاء الحجر والتراب ونحوهما أن تكون حية قادرة عالمة مدركة مكلفة. فإن قال ذلك جائز ولكن علم أنه غير واقع للعادة.
Bogga 221