============================================================
صلى الله عليه وسلم أعقل خلق الله وقد قطع القول بأن ما أتى به من عند ربه معجز، وأنهم لا يأتون بمثل أقصر سورة منه، فلولا آنه على بينة واضحة من ربه، وإلا.. لم يقطع بشيء من ذلك، على آنه لم يزل ينادي عليهم بالعجز عن معارضته، وبالتقصير عن بلوغ الغرض في مناقضته ، فلم يستطع أحد منهم أن يناوئه ، ولم يرفع رأسه إلى أن يباريه، بل رضيت هممهم السوية، وأنفسهم الأبية؛ إذ كانوا آنف شيء وأشده حمية سفك الدماء، وهتك الحرم: ولذلك قال العلماء رضي الله عنهم: من أعلى وجوه إعجاز القرآن أن فصاحته وبلاغته خرقت عادة العرب، مع أنهم أوتوا منهما ما لم يؤته غيرهم؛ لأنهم كانوا يأتون منهما على البداهة بالأمر الأعجب، ويذلون به إلى كل سبب، فيخطبون بديها عند شدة الخطب، ويرتجزون به بين الطعن والضرب، ويترسلون في أوديتهما، فيأتون منهما بالسحر الحلال، ويتطوقون من دررهما آجمل من سمط الجمال، فلا يشك عاقل أنهما طوع مرادهم، وسلك قيادهم، فما راعهم إلا رسول كريم بكتاب قديم { لا يأنيه البطل من بين يدته ولا من خلفه تنزيل من حكيور حميد} بهرت بلاغته العقول ، وظهرت فصاحته على كل مقول، وهم أفصح ما كانوا في هذذا الباب مقالا، وأشد ما وجدوا في الخطابة والشعر منالا، صارخا فيهم في كل وقت وحين، مقرعا لهم على رؤوس الملأ أجمعين: فأتوا بشورة من مشله * وإلا.. فأنتم المردودون إلى اسفل سافلين، ثم لم يزل يقرعهم ويوبخهم، ويسفه أحلامهم، ويحط أعلامهم ويسب الهتهم، ويستبيح نفوسهم وأموالهم، وهم لا يزدادون إلا تقهقرا عن المعارضة، لم يأتوا بمقال، صابرون على الجلاء والقتل والصغار والإذلال، ناكون عن معارضته محجوبون عن ممائلته، مخادعون آنفسهم بالتشغيب والتكذيب ، والاعتراف بالافتراء في قولهم : إن هذا إلا ينر بوتر} و{ سخرمشتمة وإفك آفتركه} و أسطير الأولي} والمباهتة والرضا بالدنية ، كقولهم : قلوينا غلف} و{ فى أكنة مماتدهونا إليه وفي * اذاننا وقرومن بيننا وبينك حجاب} والادعاء - مع ظهور غاية العجز عليهم - بقولهم: لونشاء لقلنا مثل هلذا} وقد قال لهم تعالى: وكن تفعلوا} فما فعلوا وما قدروا؛ إذ لو أطاقوا أدنى معارضة.. لبادروا إليها، وأفحموا الخصم الذي كانوا محافظين على إطفاء نوره، وإخفاء آموره، مع طول
Bogga 320