============================================================
قال: نعم- وهو صلى الله عليه وسلم على ناقته القصواء، في كتيبته الخضراء، بين آبي بكر وأسيد بن حضير. جاء: آنه صلى الله عليه وسلم وضع رأسه تواضعا لله تعالى؛ لما رأي ما أكرمه الله تعالى به من الفتح، حتى إن رأسه ليكاد يمس رحله شكرا وخضوعا لعظمته أن أحل له بلده ولم يحله لأحد قبله (1).
وإنما اتصف صلى الله عليه وسلم بهذه الكمالات التي لم توجد في غيره ؛ لأنه كرمث نفشه فما يخطر الشو على قلبه ولا الفخشاء (كرمت نفسه) لأنه تعالى لما أراد إيجاد خلقه.. أبرز الحقيقة المحمدية من أنواره الصمدية في حضرته الأحدية، ثم سلخ منها العوالم كلها علوها وسفلها على ما اقتضياه كمال حكمه، وسبق في إرادته وعلمه، ثم أعلمه الله تعالى بكماله ونبوته، وبشره بعموم دعوته ورسالته، وبأنه نبي الأنبياء وواسطة جميع الأصفياء وأبوه آدم بين الروح والجسد، بل ولا روح ولا جسد، ثم انبجست منه عيون الأرواح، فظهر ممدا لها في عالمها المتقدم على عالم الأشباح، وكان هو الجنس العالي على جميع الأجناس، والأب الأكبر لجميع الموجودات والناس، فهو- وإن تأخر وجود جسمه- متميز على العوالم كلها برفعته وتقدمه؛ إذ هو خزانة السر الصمداني، ومختد تفرد الإمداد الرحماني (2) .
(ف) بسبب كرامة نفسه وتشريفها عن كل رذيلة ونقيصة (ما يخطر السوء على قلبه ولا الفحشاء) كيف وقلبه قد طهره الله تعالى بشق الملائكة المرات المتعددة عند تنقله في الأطوار المنقطعة المختلفة - كما مر بيانه - وإخراج ما فيه مما جبل عليه النوع الإنساني مما يقتضي ذينك، ثم طهر وغسل وحشي من الحكم والعلوم مما لا يحيط به إلا المان به عليه ؟! وذكر الفحشاء مع العلم بانتفائها بالأولى من انتفاء السوء ؛ لأنها السوء الذي جاوز حده؛ لأن المقام مقام إطناب (1) انظر "سيرة ابن هشام * (405/4) (2) المحتد: الأصل:
Bogga 234