Min Caqida Ila Thawra Tawhid
من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد
Noocyada
أولا: البراهين على وجود الوعي الخالص (الذات)1
(1) ماذا يعني الوعي الخالص أو الذات؟
موضوع التوحيد هو لب علم الكلام كله، أعطاه اسمه فأصبح التوحيد هو علم التوحيد، وأصبح العلم كله يدور حول إثبات الذات والصفات والأفعال.
2
وفي كتب الفرق يظهر التوحيد كموضوع أول تفترق فيه الفرق وتجتمع.
3
ولكن لا يبدو بناء الموضوع وتطوره إلا من خلال المؤلفات الموضوعية لا من خلال كتب الفرق. وتبدأ كتب العقائد المتقدمة بالتوحيد، وتكون كل الموضوعات الأخرى مرتبطة به دون تفصيل أو تقسيم لموضوعات جديدة، وكأن التوحيد هو المحور الذي حوله تدور كل الموضوعات الأخرى.
4
ولكن ماذا تعني الذات؟ بعد الانتقال من العالم كما عرضته نظرية الوجود، وتم اكتشاف الطبيعة والإنسان كبعدين رئيسيين فيه، يبدأ السؤال حول الذات، أي الوعي الخالص، سواء كان وعي الطبيعة أم وعي الإنسان أم وعيا مفارقا لما انتهت نظرية الوجود إلى إثبات المفارقات. بداية علم أصول الدين كموضوع هو الذات، أي الوعي الخالص بعد أن كانت المقدمات النظرية كما بدت في نظريتي العلم والوجود أقرب إلى إثبات العالم الحسي. كان السؤال إذن: وماذا بعد العالم الحسي؟ هل هناك وعي خالص أو ذات؟ هل إثبات العالم الحسي يؤدي بالضرورة إلى إثبات الذات؟ وهل الذات افتراض يمكن إثباته أم أنها بديهية وجودية، إذ يشعر كل منا بأن له وعيا قد يكون شائبا وقد يكون خالصا؟ وماذا تعني الذات إن كان وجودها بديهيا؟ لقد حاول القدماء إثبات الذات قبل تعريفها، أي الانتقال من حقيقة العالم الحسي إلى حقيقة الوعي. وتعني الذات مؤقتا الحقيقة، الماهية، الجوهر، الوجود المطلق، التعالي. وقد أتت الحاجة لضرورة إثبات الذات أولا قبل تعريفها؛ لأنه لا يمكن تعريف شيء لم يثبت بعد. لذلك كان السؤال: هل ينتقل الإنسان انتقالا طبيعيا من نظرية الوجود إلى الذات؟ وماذا لو بقي على مستوى العالم الطبيعي دون الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك؟ ولكن العالم الطبيعي وضع الإنسان كأحد أبعاد الطبيعة، وبالتالي وضع الإنسان الطبيعي افتراض الذات أو التعالي. لذلك تنتهي نظرية الوجود عند القدماء لتفسح المجال لدليل القدم والحدوث أو لدليل الجوهر الفرد أو لدليل الممكن والواجب لإثبات الذات أو «الصانع»، أي بداية استخدام الأمور الاعتبارية في «ميتافيزيقا الوجود» لإثبات أمور وجودية في «أنطولوجيا الوجود»، وبذلك يتم الانتقال من عالم الأذهان إلى عالم الأعيان.
ولكن يبدأ القدماء، وهم بصدد إثبات الذات بمسلمة وهي التوحيد بين الذات والصانع، ويشيرون إلى أن البراهين على إثبات الذات هي براهين على إثبات الصانع، مع أن الصانع أحد الصفات أو الأسماء وليس من أوصاف الذات. لم يبدأ القدماء إذن ببداية مطلقة يتسلسلون منها على نحو بديهي أولاني مما يدل على أن العلم لم يصل إلى درجة قصوى من العقلانية والتجريد، وأن الفكر الديني أتى ليزحزح الفكر العقلاني عن مكانه ويبطل عليه دوره، وذلك بإدخال إحدى العقائد قبل أن تتأصل؛ وهي عقيدة أن العالم مصنوع، صنعه صانع، وهي عقيدة «الخلق». وإذا كان لفظ الذات قد بلغ درجة قصوى من العقلانية، وبالتالي أصبح معبرا عن التنزيه، فإن لفظ الصانع لم يبلغها فوقع في التشبيه على عكس اللفظ الأول، فماذا يعني الصانع؟ هل هو الخالق؟ وماذا يعني الخالق؟ وهل لفظ الصانع أكثر تجريدا من لفظ الخالق؟ وهل انتهت نظرية الوجود إلى إثبات ضرورة الخلق أم أن العالم كان مكتفيا بذاته عن طريق القسمة وأن المفارقات لم يكن من وظيفتها الخلق بل كانت مؤشرا إلى وجود الوعي الخالص؟ صحيح أن كلا اللفظين الصانع والخالق موجودان في الوحي وكلاهما أسماء «الله». إن لفظ الصانع يشير إلى حقيقة تالية وليس إلى حقيقة أولى؛ إذ إنه يتم إثبات الذات أولا، ثم صفة الصانع ثانيا. وقد يكون لفظ الصانع افتراضا مسبقا أتى من الوحي مباشرة وليس من العقل الذي لم يصل حتى الآن إلا إلى إثبات العالم.
Bog aan la aqoon