347

Min Caqida Ila Thawra Tawhid

من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد

Noocyada

كان التوحيد النظري قديما في خطر نظرا للالتقاء الحضاري والتشابك العقائدي بين الأديان والمذاهب والمجاورة بين الملل والنحل. ولكن التوحيد العملي كان سائرا مؤثرا فعالا محركا ومنتصرا. ولكن في هذا العصر، والتوحيد النظري في أمان، بصرف النظر عن الغزو الثقافي ومظاهر التغريب. ولكن التوحيد العملي في خطر، في موقف وسكون، وتحول إلى توحيد فارغ بعد أن ضاعت الأرض من جوفه، وهزمت الأمة، وانهارت الدولة.

3

وقد تم التركيز في الحركات الإصلاحية الحديثة على نقد الشرك العملي وليس على تحليل الشرك النظري أي نقد استعمال الرقى والتمائم وكل مظاهر التوسط بين الإنسان والله من الأموات والأحياء، من الإنس «والجن» من أجل التأثير على العالم.

4

فالعمل، والعمل وحده هو المؤثر في العالم، ويقوم على العلم بالأسباب لا على الأعمال الرمزية التي يسقطها الشعور الجاهل على الواقع. فالأول فعل والثاني لا فعل. ولا استثناء في العمل القائم على العلم بالأسباب. حتى ولو تراكمت الشواهد على حدوث وقائع معينة، فإن ذلك لا يعني وقوعها «بالعين والحجة»، بل لأسباب طبيعية ما زلنا نجهلها حتى الآن. وبتقدم العلوم والمعارف واستقرار قوانين الطبيعة يمكن معرفتها. ولا تعني الأسباب الأسباب المادية وحدها، بل يمكن أن تكون نفسية كالإيحاء والتأثير والتوجيه. ولكن في عصر يغلب عليه التركيز على العوامل النفسية فإن المصلحة العامة تقتضي عزل الموقف والتركيز على الأسباب المادية وحدها حتى ولو أدى ذلك إلى قصور في النظرة العلمية. فمصلحة الجماهير وتربيتها ثقافيا أولى من المعادلة العلمية المتزنة لمجتمع مستقر ومتقدم وعلمي. الشرك هو قطع الصلة بين الأسباب والمسببات بتمائم ورقى وتبرك بشجرة أو حجرة أو استعاذة بمخلوق أو استعمال لسحر أو استعانة وتعوذ بشيء. لا تأتي المعرفة إلا من العقل وتصدق في الشعور. لذلك كانت كل معارف الكهان والتي تقوم على الطيرة والنشرة والتنجيم معارف خاطئة من حيث النهج والقصد وإن صدق بعضها من حيث النتائج بطريق المصادفة المحضة. والقصد في الفعل شرط لصحته. وإذا كانت صحة الفعل في قصده إلا أن كماله في تحقيقه واكتماله. فإذا وقع الرياء في العمل فإنه يبطله. وإذا كان القصد هو الدنيا المباشرة فإنه قد يبطل شرعية الفعل، أما إذا كانت النتيجة تحقيق عالم أفضل فتثبت شرعية الفعل. وهذا هو جمع بين التصوف والأصول، فقد ركز التصوف على نقاء الباعث ونسى النتيجة وهو ما أكمله الأصول.

يجد التوحيد العملي إذن محله في العمل كنتيجة وفي الإيمان كمقصد. وبالتالي فموضوع التوحيد هو في حقيقة الأمر مقدمة لموضوع الإيمان والعمل.

5

فالعمل هو العمل المخطط القائم على معرفة مسبقة أو معرفة حادثة أثناء الفعل، والقائم على نقاء الباعث ووضوح الهدف. فإذا استكمل الفعل شروطه ولم تحدث نتائجه فالندم باسترجاع الماضي اتجاه سلبي. الأولى البحث عن أسباب الفشل بالفعل حتى يمكن أخذها في الاعتبار حين معاودة الفعل. أما الاكتفاء بتمني إكمال النقص بالرجوع إلى الوراء وتخيل ميدان الفعل الماضي وقد اكتمل فذلك عجز وضعف.

6

وفي عالم يغيب عنه العدل، ولا يحكمه قانون، ولا يوجهه فكر، يكون الاتكال على الرحمة تأييدا لقوى الظلم والعدوان. لذلك فإن عملية الخلق ليس هو الخلق الفني المجسم بل الخلق الإبداعي مثل دك العروش وإسقاط التيجان وتغيير النظم الاجتماعية والسياسية كما فعل الموحدون الأوائل في إيوان كسرى وعرش الروم.

Bog aan la aqoon