Min Caqida Ila Thawra Tawhid
من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد
Noocyada
كما رفضت بعض الحركات الإصلاحية الدخول فيه أو تجمع بين المطلبين القدم والحدوث، بين المعنى واللفظ من غير تمثيل ولا تعطيل بالاعتماد على مخترعات العلم الغربي الحديث.
233
وقد تكون المسألة كلها سياسية في نشأتها. فقد أرادت السلطة إيقاع المعارضة في حبائل الموضوعات النظرية الصرفة إبعادا منها لها عن المسائل العملية، فساهمت في إثارة مسألة خلق القرآن حتى يسهل حصار المعارضة وتشويه صورتها أمام العامة المؤمنة بعقائد أهل السنة والمطيعة للنظام. فاستعمل الموضوع النظري كسلاح عملي للتكفير وللمحاصرة ولعزلة المعارضة عن جماهيرها وإعطاء السلطة الحق في اضطهادها واستئصالها والقضاء عليها باسم الدفاع عن الإيمان والمحافظة على عقائد الأمة.
والحقيقة أن الكلام هو الوحي الذي بين أيدينا المتجه من الله إلى الإنسان وإلى العالم. الكلام قصد من الله إلى الإنسان ورسالة إلى مرسل إليه عن طريق المبلغ وهو الرسول. فهو ليس صفة للذات المشخصة أي قصدا من الإنسان إلى الله تعظيما وإجلالا وتأليها. الوحي إذن كلام الله بلغة الإنسان، وبهذا المعنى يكون مخلوقا، أي أنه أرسل إلى الإنسان. هذا هو الخلق الطبيعي أو الإنساني عندما يتحول كلام الله إلى الإنسان وإلى الطبيعة مثله مثل حكمة البشر التي تخلد الجماعات والشعوب من خلالها في مأثوراتها وحكمها وأمثالها وقصصها وسيرة أبطالها. والكلام موضوع طبقا لأسباب النزول. فهو ليس مفروضا على الواقع بناء على نداء الواقع واكتمل بناء على تطوره وأعيدت صياغاته طبقا لقدراته وأهليته على ما هو معروف في الناسخ والمنسوخ. هي عملية جدلية بين الفكر والواقع، الواقع ينادي على الفكر ويطلبه والفكر يأتي مطورا للواقع ويوجهه نحو كماله الطبيعي. ثم يعود الواقع فينادي فكرا أدق وأحكم حتى يتحقق الفكر ذاته ويصبح واقعا مثاليا يجد فيه الواقع الطبيعي كماله. ولا يتطلب ذلك التصور افتراض شخص المجرب بل هي عملية تاريخية طبيعية لا شخصية. الإنسان في العالم موضوع التجربة، وهذا هو الخلق التجريبي. والكلام كرسالة في التاريخ ينتقل منذ ساعة الإعلان عنه من جيل إلى جيل عبر الرواية الشفاهية ثم المدونة حتى تضمن صحته التاريخية. الكلام بهذا المعنى هو الخبر الصادق من خلال مناهج النقل وطرق الرواية. وهذا هو الخلق التاريخي لا بمعنى أن الكلام من صنع التاريخ أو من وضعه بل إنه محفوظ في التاريخ بلا زيادة أو نقصان من خلال أعمال الإنسان وإحكامه أنطق الرواية. فالصحة التاريخية للكلام لا تنتج عن عصمة الرسول ولا من حفظ المرسل ولا من صحة العقيدة أو الإيمان بالسلطة على ما هو معروف في نظريات «الصدق الإلهي» في تاريخ الأديان كبديل عن غياب الصدق التاريخي. بعد ذلك يمكن فهم هذا الكلام فهما إنسانيا ، والاستفادة منه تحقيقا لمصالح الإنسان، ومن ثم يتحول إلى بناء إنساني اجتماعي، يدافع الإنسان عنه دفاعا عن وجوده. وهذا هو الخلق المعرفي. يحتوي الكلام على «أيديولوجية» علمية، أو هو بناء نظري للواقع يتحول إلى بناء فعلي بفعل الإنسان وبجهده ونشاطه.
234
إن الكلام مجموعة من الصور الإنسانية الخالصة، خاصة بأسلوب التعبير والمخاطبة دون وصف لواقع بل للإيحاء به وتوجيهه. الخلق هنا بمثابة عملية يقوم بها الخيال من أجل توجيه السلوك والتأثير على الناس، وهذا هو الخلق الفني، وهو جزء من عملية الفهم والتفسير من أجل التوجيه والإعداد. وأخيرا الكلام هو في نهاية الأمر بنية الواقع ذاته وكماله وغايته، يتحقق كنظام مثالي للعالم تجد فيه الطبيعة ازدهارها وكماله. فالكلام مشروع تحقق، والوحي مشروع اكتمال. وهذا هو الخلق الفعلي. كل ذلك هو الكلام وأوجه خلقه. هو كلام الله بلغة الإنسان وطبقا لقدراته والذي يضمن الإنسان صحته التاريخية وصدقه النظري وتحقيقه العلمي. الخلق أهم صفة تميز الإنسان، أعطاها للذات المشخص وعزا إليها القدرة والإبداع والتكوين، وسكت هو عن الخلق، بل قلبه إلى إعجاز وتعجيز وظن أنه لن يقدر على الخلق وأعلن عجزه وأن الذات المشخص قد صرفت دواعيه وأحالته إلى عاجز مطلق ولم يبق له إلا التقليد.
235 (6-5) مراحل الكلام
ظهر من تحليل القدماء لصفة الكلام أن هناك ثلاثة مستويات له: المستوى الصوري حيث يبدو الكلام كصفة للتأليه المشخص وإطلاق الحكم للصفات من جديد القدم أو الحدوث. وهو مستوى صوري نظرا لأنه تحليل نظري خالص ولا يوجد به أي محك للصدق إلا مجرد الافتراض النظري، وهو البعد القبلي للكلام، ويدخل فيه الحديث عن اللوح المحفوظ والملائكة والرسل وكل ما يتعلق بنظرية النبوة. والمستوى الحسي وهو الكلام المقروء أو المسموع أو المكتوب المكون من الأصوات الحرف، وهي دراسة موضوعية يمكن ضبطها بمقاييس ملموسة نظرا لوجود موضوع حسي، وهذا هو البعد الحسي. وأخيرا المستوى الشعوري، وهو الكلام عندما يحل كمضمون للشعور، سواء في الذهن ويصبح مفهوما ويتحول إلى معنى أو في الوجدان ويصبح باعثا ويتحول إلى دافع ، أو في الذاكرة ويصبح محفوظا ويتحول إلى تيار دائم للشعور. وفي نفس الوقت تبدو هذه المستويات وكأنها مراحل لعملية الكلام ابتداء من الكلام الحسي حتى الكلام الصوري النظري المجرد. فالكلام مقروء ومسموع ومكتوب، تقوم به ثلاثة أعضاء: اللسان والأذن والعين. ثم هو مفهوم ومحفوظ ومحرك يقوم بذلك الذهن والذاكرة والوجدان. فالكلام الخارجي صوت (المسموع والمقروء) وحرف (المكتوب)، والكلام الداخلي معنى في الحاضر (المفهوم) أو من الماضي (المحفوظ) أو باعثا على التحقيق.
236
ما هو المقروء؟ المقروء قبل أن يكون مقروءا أي موضوعا للقراءة هو فعل للقراءة، ومن ثم يرد المفعول إلى الفاعل. ويكون السؤال: ما هي القراءة؟ هل القراءة كلام؟ الإجابة بالنفي تثبت الكلام المستقل عن القراءة، وأن الكلام لا يمكن رده إلى مجموعة من الأصوات والحروف إبقاء على الكلام كصفة مستقلة وإن لم تكن صراحة صفة الذات.
Bog aan la aqoon