Min Caqida Ila Thawra Tawhid
من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد
Noocyada
وهناك عديد من الحجج النقلية لإثبات خلق القرآن.
204
وهي أيضا ظنية؛ نظرا لأنها ابتسار للوحي وقراءة للمذهب في النصوص وحق المذهب المضاد في نفس القراءة. وما أسهل من تحويلها إلى حجج مضادة للمذهب نفسه بقراءة أخرى وبتأويل مضاد. أما الأحاديث فمعظمها ضعيف وخبر آحاد وتعبر عن الدين الشعبي في الإجلال والتعظيم.
أما الحجج العقلية فنوعان: الأول تقوم على برهان الخلق، أي استحالة النقيض. مثلا: لو كان قديما لكنا أمام إلهين قديمين: الله والقرآن. لو كان قديما لوجب أن يكون مثل الله لأن القدم صفة من صفات النفس والاشتراك في صفة من صفات النفس يوجب التماثل، أي الاشتراك في جميع صفات النفس. لو كان قديما لاختص ببعض المخلوقين دون البعض مثل اختصاصه بالرسول والقرآن معجزته، وهو تناقض لأن القديم لا متعلق له. لو كان قديما لاستوت نسبته إلى المتعلقات كالعلم، ووجب أن يكون عالما لذاته، قادرا لذاته كالقديم. ولو كان قديما لاستحال أن يعدم لأن العدم مستحيل على القديم. ويتبع برهان الخلق حجة جدلية مؤداها أن كلامه إما أن يكون مثل كلامنا أم لا، والأول مخلوق والثاني لا يعقل؛ لأن الكلام هو الكلام. أما حجج الإثبات فتقوم على النسخ، ففي القرآن ناسخ ومنسوخ، والنسخ من صفات المحدثات، والقديم يمتنع عليه النسخ سواء في اللفظ أم في المعنى. والقرآن أوامر ونواه، وليس من الحكمة أن يأمر بالعدم وينهى عنه. وإذا ما أدى الإنسان الأمر لم يبق إلا الآمر. ويستحيل قدم الكلام لاستحالة قدم الأمر، فلا يوجد مأمور في الأزل. والقرآن معجزة الرسول، فيمتنع أن يكون قديما. وأخيرا القرآن مسموع ومكتوب ومحفوظ، وبالتالي فهو متغير، نلفظ به ونحرك به اللسان. والحقيقة أن القول بالخلق أو الحدوث أكثر إطلاقا لعواطف التنزيه، إذ كيف يكون الكلام بالصوت والحرف المسموع المرئي صفة تعبر عن التنزيه وهي لا تخلو من حس وتشبيه؟ كيف يكون القديم حسيا؟ إن القول بالخلق والحدوث هو في نفس الوقت تنزيه للذات وأكثر اقترابا من الكلام كموضوع حسي علمي يمكن دراسته في علم الصوت أو في علوم اللغة.
205 (6-4) هل الكلام مخلوق وجسم وعرض؟
فإذا كان الكلام مخلوقا، فإلى أي حد هو مخلوق، وإلى أي حد يكون المحل جسما؟ الخلق لا في محل يقرب الكلام من الصفة، والخلق في محل يقربه من الجسم تنزيها للذات.
206
ولما كان الجسم جوهرا له أعراض، فيصبح الكلام مخلوقا جسما وعرضا، ثم تتنوع الأحكام عليه بين النفي والإثبات، وبالتالي تكون لدينا مجموعات سبع. يكون الكلام في محل، إما: (1) مخلوق وجسم وعرض. (2) مخلوق وجسم. (3) مخلوق وعرض. (4) جسم وعرض. (5) مخلوق. (6) جسم. (7) عرض. ويلاحظ على هذه المجموعات السبع المحتملة عدة أشياء؛ أولا: الحالة الأولى يمثلها أهل السنة والأشاعرة، والحالة الأخيرة يمثلها المعتزلة والكرامية، أي إن الحالتين الأولى والأخيرة على طرفي نقيض، في حين أن باقي الحالات متوسطة. ثانيا: إن الحالات المتوسطة أيضا تدخل في أضداد فيما بينها، وكأننا أمام الأحكام الخمسة في علم أصول الفقه.
207
ثالثا: إن المجموعات التي تتعامل مع صفة واحدة مثل مخلوق أو جسم أو عرض لا يوجد فيها إلا احتمالات، النفي والإثبات دون حالات متوسطة، وكأن التوسط لا يأتي إلا باجتماع أكثر من صفة. رابعا: هناك احتمالات واردة نظرا ولكنها غير واردة عملا، خاصة في المجموعات التي تجمع أكثر من صفة. فالاحتمالات العقلية شيء والمواقف العملية شيء آخر، خاصة إذا كانت بعض الاحتمالات العقلية متناقضة لا ينتج عنها موقف فعلي عملي. خامسا: كل المواقف القائمة على صفة واحدة كلها احتمالات عملية واقعية، وليس بها احتمالات قائمة نظريا غير واردة عمليا. فإذا عرضنا المجموعة الأولى التي تضم ثلاث صفات: مخلوق، وجسم، وعرض، متدرجة من النفي إلى الإثبات، نجدها تضم ثمانية احتمالات، كل منها مضاد للآخر، وبالتالي تكون لدينا في الحقيقة أربعة احتمالات وأضدادها: (1)
Bog aan la aqoon