Min Caqida Ila Thawra Tawhid
من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد
Noocyada
91
وقد يأخذ الموضوع صيغة أخرى، فكما أن المسألة الرئيسية في العلم هي البدء الذي يشير إلى التغير والثبات، فإن المسألة الرئيسية في القدرة هي الكل أو الجميع أو الغاية أو النهاية التي تشير إلى التقييد والإطلاق. فقد تساءل القدماء: هل معلومات الله ومقدوراته لها كل أو لا كل لها؟ ولما كان الإشكال لا يعبر عن موضوع في الخارج بل عن قسمة إنسانية خالصة يقوم بها الذهن كما هو واضح في المنطق لتصنيف الأشياء بين الكل والجزء، الجميع والبعض، اللانهاية أو الغاية، فإن الشعور يقوم بإسقاط قسمة الذهن هذه على التأليه المشخص. فالإجابة بالنفي إثبات بالإطلاق حرصا على التنزيه. فالقدرة شاملة كلية جامعة لا نهاية لها لا تتجزأ ولا تتبعض ولا تنتهي. فالتجزئة والتبعيض والنهاية كلها مظاهر نقص، والتأليه يعبر عن نفسه في صيغ الشرف والكمال. والإجابة بالإثبات أيضا إثبات للتنزيه؛ لأن المعلومات والمقدورات لا بد أن تنتهي حتى يبقى المؤله وحده ولا شيء معه كما كان لا شيء معه. فتحديد المعلومات المقدورات ليس تقييدا للمطلق بل إطلاق له وتقييد لما سواه ورد للموجودات إلى مكانها الطبيعي في عالم الحدوث.
92
وبعد إثارة المسألة العامة إطلاق القدرة وتقييدها تظهر الدوافع الحقيقية للمسألة التي كانت وراء نشأتها والتي أصبحت نوعا من التمرينات العقلية والتطبيقات العملية التي تكشف عن عملية التأليه وشدها وجذبها بين الوجدان والعقل، أي بين إطلاق القدرة وتقييدها. إذ يفترض العقل صعوبة أو استحالة أو تناقضا حتى يقوم الشعور بتجاوزها بسلاح القدرة ويعبر من خلالها عن عواطف التعظيم والإجلال. ويقف الإنسان أمام هذه الاستحالة أو التناقض إما يعلن استسلامه لهذه العواطف والتسليم بالقدرة المطلقة والخضوع لها أو يعلن رفضه لها وتمرده عليها وإثبات قدرته الخاصة.
وأول مشكلة مثارة هي اصطدام القدرة مع العلم في سؤال: هل الله قادر على ما علم ألا يكون؟ فالجواب بالإيجاب إثبات لعموم القدرة وشمولها على العلم، والجواب بالنفي إثبات لشمول العلم وأولويته على القدرة. فالعلم أوسع نطاقا من القدرة، وإمكانيات العقل النظري أكبر بكثير من إمكانيات العقل العملي. ولكن يظل سؤال: وكيف يكون هناك علم لا يقع، ونظر بدون عمل؟ فالمسألة لا حل لها، ولكنها مجرد فرصة للتعبير عن عواطف التعظيم والإجلال بين المزايدة فيها وإحكامها بالعقل.
وقد تصطدم القدرة بحرية الأفعال في سؤال: هل الله قادر على أفعال العباد؟ فالرد بالإيجاب إثبات لمطلق القدرة على حساب حرية الإنسان، في حين أن الجواب بالنفي إثبات لحرية الإنسان حتى ولو كان في ذلك تحديد للقدرة المطلقة. وأيهما أولى بالتضحية، حرية الإنسان أم مطلق القدرة؟ وأيهما أولى بالإثبات، حرية الله أم حرية الإنسان؟ إن أكثر أفعال الحيوانات مقدور لها، وبالتالي يلزم مقدورين لقادرين. وقد تحول الإشكال النظري إلى اختيار الإجابة الأولى، وأصبحت نوعا من المسلمات الوجدانية. فتظهر في البسملات مع المشيئة والإرادة مسيطرة على كل شيء، على الإنسان أفرادا وجماعات، وعلى الطبيعة والتاريخ، على حساب الحرية الإنسانية وحركة الجماهير ووعيها وقوانين الطبيعة ومسار التاريخ، وكأن القدرة سلطان قاهر على كل شيء، مما سبب رد فعل طبيعي وهو تأكيد الحرية الإنسانية وخلق الأفعال كحد من القدرة المطلقة وإرهابها وتدخلها في كل شيء.
93
وقد تصطدم القدرة بموضوع العدل في سؤال: هل يقدر الله على فعل الظلم للإنسان؟ هل يقدر على فعل الشرور والقبائح في العالم؟ فإثبات القدرة المطلقة تضحية بالعدل في سبيل التوحيد، ونفيها إحكام عقلي للتوحيد في سبيل العدل. وليس هناك حل عقلي مرض؛ لأن المسألة كلها تمرين عقلي للمزايدة في عواطف التعظيم والإجلال على حساب الإحكام العقلي وتأكيد حق الإنسان. وقد يمتد السؤال من هذه الدنيا إلى غيرها. حينئذ تصطدم القدرة بأمور المعاد في السؤال: هل الله قادر على إثابة المسيء وعذاب المحسن؟ وهو نفس مسألة العدل مع تطبيقها في نهاية الزمان خارج العالم وليس في الزمان في هذا العالم.
94
ولكن الصدام الأكبر هو الذي نشأ بين القدرة المطلقة وبين العالم الطبيعي، سواء في نهاية الزمان في إفناء العالم أو في هذا الزمان في تغيير قوانين الطبيعة.
Bog aan la aqoon