Min Caqida Ila Thawra Tawhid
من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد
Noocyada
65
ليس الخلاف إذن فقط في معرفة الله استدلالا كما تريد الأشاعرة، أو اضطرارا كما يريد الطبائعيون، بل الخلاف الأساسي في تصور الطبيعة من خلال تصور ديني كما يفعل الأشاعرة أو من خلال تصور علمي كما يفعل الطبائعيون. هل يتم تفسير الطبيعة بعلل خارجية أم بعلل داخلية؟ هل الطبيعة مستقلة بذاتها أم أنها تابعة لغيرها؟ هل تدرك بالحواس وبالعقل كفكر طبيعي، أم أنها افتراض إيماني كفكر إليه مقلوب؟ وقد تكون صورة الأجرام السماوية بحركاتها الدائرية صورة تشبيهية للقدم عند «المنجمين».
66
والحقيقة أن القول بقدم العالم لا يعني تعطيل الصانع عن الصنع بل تنزيها له عن الاشتغال بالعالم والتدخل في قوانين الطبيعة، وإثباتا لحكمته في ترك العلمية والغائية، وتركا للحرية الإنسانية للعمل في العالم، وللعلم الإنساني لاكتشاف قوانينه.
67
الباعث على نفي الصانع باعث شرعي وهو الحفاظ على استقلال العالم والحفاظ على الحرية الإنسانية فيه. وإن إثبات الصانع ليس له باعث آخر إلا القضاء على استقلال العالم ونفي الحرية الإنسانية، وهذا ما يفعله دليل الحدوث.
68
وبالتالي كان موقف الملاحدة هو موقف الدفاع عن التنزيه ضد التشبيه وعن حرية الإنسان ضد جبره. «الله» مبدع لكل المتقابلات، وخالق كل الأضداد دون تقدم أحدهما على الآخر، مثل تقدم الوجود على العدم، والوحدة على الكثرة، والوجوب على الإمكان. «الله» متعال عن هذه الأضداد وخالقها دون أن يكون صانعا لها. «الله» هو الماهية المجردة عن أي صفات التشبيه، وليس ذلك «هذيا بين البطلان»، بل حرص على التنزيه وخوف من الوقوع في التشبيه.
69
مع أن الأمر عند الحكماء لم يخل من بقايا تشبيه في القول بعلة أولى هي النفس أو العقل أو العلة أو الفلك، وهو شبيه القول بوجود كائن مشخص مع الاختلاف في الدرجة والاتفاق في النوع. الكائن المشخص أكثر تجريدا وأقل جسمانية، في حين أن باقي الموجودات أقل تجريدا وأكثر حسية. والأمر في كلتا الحالتين عواطف إنسانية إيمانية أو عقلية ومواقف من العالم دينية أم علمية، ومواقف من الله والإنسان، دفاع عن «الله» أم دفاع عن الإنسان. وفي هذه الحالة لا تقل حجج القدم دلالة على حجج الحدوث.
Bog aan la aqoon