206

Min Caqida Ila Thawra Tawhid

من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد

Noocyada

فالعقيدة في حقيقة الأمر تنبع من المنطق وتنشأ منه، والمنطق ليس هو الجدل أو البرهان أي المنطق الصوري، بل هو المنطق الحسي والمنطق الشعوري.

والحجة الأكثر شيوعا هي حجة التغاير، تغاير الصفات. لو كان العلم والقدرة شيئا واحدا، والله يعلم نفسه ويقدر على نفسه، لما كان عالما ولا قادرا. وذلك لأن كل صفة لها تعلق معين، تتغاير الصفات فيما بينها لأن كلا منها لها تعلق متميز عن الآخر. ولا يرجع التمايز إلى اللفظ وحده، بل إلى المعنى. لثبات الصفات إذن معاني قائمة وليست أحوالا. وإذا كانت الصفات تثبت من أجل تغايرها، فإنها تنفى من أجل تماثلها. والعقل الصريح يعرف كون الشيء معلوما وكونه مقدورا، على الأقل عموم الأول وخصوص الثاني. صحيح أن العلم من حيث هو علم حقيقة واحدة وليس خاصية واحدة، وإنما تختلف العلوم باعتبار متعلقاتها وتتماثل باتحاد المتعلق. العلم يتبع المعلوم وجودا وعدما، وكذلك الكلام. ويستحيل إثبات ذات واحدة. لها خاصية العلم والقدرة والإرادة والكلام، أي اجتماع صفات وخواص لذات واحدة. يعلم الباري ذاته ويعلم ما يلزم بعلمين متمايزين. ولا خوف من التشبيه. فتعلق العلوم بالمعلوم ليس تعلق زمان ومكان. والحقيقة أن هذا كله افتراض تركيب وتعدد في الله. لا يقع التغاير إلا في المعلومات والمقدورات، ولكنه لا يقع في العلم أو القدرة. كما أن اختلاف وجوه الاعتبارات في شيء واحد لا يوجب تعدد الصفة، وأن تعددها لا يوجب تمايزها وثبوتها، ويمكن لوحدة الذات أن تضم تحققات فعلية لها دون أن تتكثر وتتعدد في معان أو جواهر أو حتى في أحوال. فإثبات الأحوال مثل إثبات الصفات، إلا أن الصفات موجودة والأحوال غير موجودة لأنها لا توصف بالوجود ولا بالعدم، ولكنها متمايزة فيما بينها، فالعالمية غير القادرية وإلا لزم من نفي أحدهما نفي الآخر. ومع ذلك فإن بعض الأشاعرة والفقهاء يرتضون حجة التغاير، وذلك لأن الصفات يمكن رد بعضها إلى البعض استنباطا، ثم ردها كلها إلى الذات. فالإرادة ترد إلى القدرة، والقدرة إلى العلم. الله مريد، وذلك يستتبع القدرة، والقدرة تستتبع الإرادة، والإرادة تقتضي العلم، والكل يقتضي الحياة. يلزم من كونه حيا أن يكون سميعا بصيرا متكلما، فتلك مظاهر الحياة وإلا وصف بأضدادها كالعمى والطرش والخرس على ما عرف في الشاهد.

24

ويجوز في اللغة عن طريق المجاز أن يسمع الإنسان المبصرات ويبصر المسموعات، وكما هو معروف في الفن «العين تسمع والأذن ترى». وتتكلم اليد والعين. كما يستعمل الأعمى يديه للإبصار وللذوق وليس فقط للمس وكما يسمع الأصم بحركات اليد. السمع والبصر يعنيان العلم، كما يعني العلم السمع والبصر على ما هو مذكور في عديد من الآيات.

25

أما حكم الثاني فقد كان رد فعل على التجسيم والتشبيه حرصا على الذات، الوعي الخالص، وتنزيهها.

26

ولا فرق في النفي بين الأوصاف والصفات والأسماء. ولا يمنع نفي الصفات من استعمال بعض الصور الفنية للتعبير لإيصال المعاني في المواقف الإيمانية والوجدانية. وقد يصل النفي إلى حد إنكار كل صفات التشبيه بالإنسان، كلا أو بعضا، لا فرق في ذلك بين الثلاثي (العلم والقدرة والحياة) أو الرباعي (السمع والبصر والكلام والإرادة). كما وصل إلى حد نفي اسم الفاعل مع اسم الفعل، فالله ليس سميعا ولا قديرا ولا متكلما، وبالتالي تنفي المعاني وإن ثبتت الأسماء دون أن يكون له في حقيقة العلم والقدرة والسمع والبصر.

27

وإلى هذا الحد يتهم نافي الصفات بالزندقة والكفر كتهمة سياسية، كما يتهم بالتعطيل كتهمة فكرية مع أن النفي ليس تعطيلا، بل إبعاد للتشبيه دفاعا عن التنزيه، سواء كان التعطيل في الصفات أم التعطيل في النصوص بالتأويل.

Bog aan la aqoon