Min Caqida Ila Thawra Tawhid
من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد
Noocyada
ولما كانت الاستدارة إحدى صور الخلود كان المعبود كاللؤلؤة المستديرة. فالدائرة تحتوي على التناهي واللاتناهي معا. وهي أنسب صورة للجمع بين المادة والصورة. فهي متناهية لأنها محدودة داخل المحيط ولا متناهية لأنه يمكن تتبع المحيط إلى ما لا نهاية، إذ إنه لا أول له ولا آخر. وتتجسم الدائرة في العجلة. فهي متناهية لأنها محدودة بالمحيط ولا متناهية في اللف والدوران، إذ إنها تتحرك وتدور إلى ما لا نهاية. الدائرة هنا تفضل الخط؛ لأن الخط يمكن أن يكون صورة للاتناهي، إذ يمكن مده من الطرفين إلى ما لا نهاية، ولكنه أيضا يكون صورة للتناهي لأنه يضم مساحة. وقد أخذت صورة الدائرة عند الفلاسفة كأفضل صورة تعبر عن صلة الله بالعالم ولحل مشكلة قدم العالم وحدوثه، فجعلوا «الله» مماسا والعالم دائرة حتى يكون الله منفصلا عن العالم ومتصلا به في آن واحد. فالخط لا نهائي في حين أن محيط الدائرة متناه. وحتى يشارك العالم «الله» على الأقل في صفة واحدة هي أزلية الحركة. كان التصور الدائري في التاريخ القديم عند قدماء الشرقيين وقدماء اليونان وحتى عند ابن خلدون في حضارتنا القديمة وعند بعض الفلاسفة المعاصرين في الحضارة المجاورة
135
هو أفضل تصور يمكن التعبير به عن البدء ثم العود على البداء وتفسير التاريخ في حلقات متصلة تبدأ وتعود سواء كانت تبدأ من الصفر أو تحتوي بداخلها على عنصر تقدم في صورة حركة لولبية، وفي الأمثلة الشعبية «تدور الدائرة» أو «تدور عليه الدوائر» أو «دارت الأيام» تمثل صورة القدر الذي لا مفر منه، وبالتالي تكون الحقيقة في الحس الشعبي أيضا دائرية.
ولما كانت الأجسام المشعة أكثر شفافية من الأجسام المعتمة كانت الروح أقرب إلى النور منها إلى الظلام، ولكنه نور السبائك حتى لا يضحى بالجسم في سبيل الأشعة. وبالتالي تتحد لغة النور ولغة الجسم باتحاد الشيء والشعور، الشيء المعتم والشعور المضيء، فيصبح المعبود جسما شفافا أو سبيكة صافية أو جسما نورانيا أو لؤلؤة مضيئة. قد تتغلب لغة النور على لغة الجسم فيكون المعبود نورا خالصا من غير بدن ولا جسم، نورا ساطعا ليس على أية صورة.
136
ولغة النور الخالص هي اللغة المفضلة عند الصوفية، وهي لغة تجمع بين التجسيم والتنزيه. فالنور جسم شفاف. وبالتالي فلغة النور ليست لغة خارجية أو أثرا أجنبيا، بل لغة موجودة في كل نزعة صوفية تعبر عن ماهية التجربة الروحية وبنائها المزدوج وتحويلا للصراع السلبي في الواقع إلى صراع إيجابي في العواطف والقيم وتعبيرا مجسما عن هذا الصراع بلغة النور والظلمة. وصور النور والنار صور ملائمة للمعبود الجسم الذي هو في نفس الوقت أكثر من جسم؛ لأنه يسمع أو يضيء.
137
وقد يكون المعبود هو الفضاء، أي جسم تحل الأشياء فيه، ليس بذي غاية ولا نهاية.
138
فالفضاء صورة الاتساع، وهو ليس بجسم ولكن الأشياء قائمة به. فصورة الفضاء تجمع بين الصورة والجسم، فلا هو صورة لأن الفضاء جسم ولا هو جسم محدد معين، فيكون حينئذ صورة. هو إثبات للمكان ونفي له، في كل مكان وفي مكان، في السماء وفي الأفق، وسط في كل الاتجاهات، الأمام والخلف، الأعلى والأسفل، اليمين واليسار، محيط بالإنسان من جميع جوانبه، وسط بين الحركة والثبات، لا يتحرك لأنه ثابت، وليس بثابت لأنه يتحرك، فالريح والكواكب والطيور تتحرك فيه. وهو وسط بين النور والظلمة، مرة مظلم بالليل ومرة منير بالنهار وفي ضوء القمر، وسط بين السماء والأرض يجمع بينهما بل ويوجد بينهما في الأفق، وسط بين العتمة والشفافية، فالفضاء ليس شفافا لأنه محمل بجسيمات الأتربة وليس معتما لأنه يسمح بالرؤية. صورة الفضاء إذن أفضل صورة تعبر عن مقتضيات التشبيه والتنزيه فهو جسم، ولكن لا حدود له، كما يجمع بين الحس والعقل، فهو مرئي بالحس ومعقول بالذهن.
Bog aan la aqoon