Min Caqida Ila Thawra Nubuwwa
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
Noocyada
46
أما المعنى في ختم النبوة فهو تحليل الحاضر وليس الإخبار بالمستقبل، وإذا كان هناك قصص فإنما يهدف إلى إعطاء الحاضر ومد الوعي بدروس الماضي وخبرات الأمم السابقة؛ فالوعي بالحاضر هو وعي بالتاريخ، وما الحاضر إلا تراكم للماضي. الماضي عبرة ودرس وتطور يصب في الحاضر، مسارا من الماضي إلى الحاضر وليس نكوصا من الحاضر إلى الماضي. أما المستقبل فمرهون بفعل الحاضر ومشروط باستمرارية الماضي في الحاضر؛ فالماضي هو مستقبل الحاضر ومستقبل المستقبل على حد سواء. يظن القدماء أن النبوة تنبؤ بالمستقبل وقراءة له، ويظن المعاصرون أن النبوة رجوع إلى الماضي، والنبوة في حقيقة الأمر هي تحليل للحاضر لمعرفة جدل الماضي والمستقبل فيه، وقراءة الماضي هي استبصار للمستقبل، وما الحاضر إلا لحظة التقاء بينهما يتم فيها كشف القوانين ورؤية حركة التاريخ.
وتسمى النبوة بعدة ألفاظ مترادفة مثل البعثة والرسالة. الوحي والنبوة متقاربان، والبعثة والرسالة متقاربان؛ الوحي هو كل العلم، والنبوة الطريق إليه؛ والبعثة النبوة المعلنة، والرسالة النبوة المكلفة. تدل المصطلحات الأربعة المتقاربة على تدرج من النظر إلى العمل أو من العام إلى الخاص، من الوحي إلى النبوة إلى البعثة إلى الرسالة.
47
وتتضمن النبوة كرسالة أربعة أطراف: مرسل وهو الله، ومرسل إليه وهو النبي، ومرسل إليهم وهم العباد، ومرسل وهو الشيء؛ فالمرسل هو الوعي الخالص والمرسل هي الرسالة. وأهم طرف من هذه الأطراف الأربعة ليس المرسل أي الوعي الخالص؛ فذلك هو موضوع التوحيد، باب العقليات، الشق الأول في علم أصول الدين، وليس المرسل إليه أي شخص النبي؛ فهو مجرد رسول لإيصال الرسالة. أهم طرف في المعادلة الرباعية هي الرسالة أي التكليف، والمرسل إليهم أي نحن البشر، عباد الله في التاريخ. شخص النبي إذن ليس أحد موضوعات النبوة ومعنى زائد في تعريفها، النبي مجرد واسطة لإيصال الرسالة من المرسل إلى المرسل إليهم، وليس جزءا من النبوة بشخصه. طبعا هناك شروط النبوة إذا ما توافرت عند أي إنسان يكون هو النبي، لا ترجع النبوة إلى جسم النبي أو إلى عرض من أعراضه أو حتى إلى علمه بربه؛ فذاك يقع من غير نبوة أو علم النبي بكونه نبيا، فالمعلوم غير معلوم بعد، بل ترجع إلى الرسالة والمرسل إليهم حتى ولو كان المرسل مجهولا، وكأن المرسل إليه غائب بشخصه، اختفى بعد إيصال الرسالة وأداء الأمانة، وتبقى الرسالة طالما بقي المرسل إليهم يحملونها عبر الأجيال ويحققونها في التاريخ.
ولكن هل هناك فرق بين النبي والرسول؟ الفرق بين النبي والرسول هو الفرق بين التصور والنظام، بين العقيدة والشريعة، بين النظر والعمل. يأتي النبي بالنظر وبالعقيدة وبالتصور، ولا يأتي بالضرورة بنظام أو شريعة أو يبني مجتمعا ويؤسس دولة، فالنظر لم ينعقد بعد، في حين أن الرسول هو الذي يولد النظام من التصور، ويحقق الشريعة من العقيدة، ويحول النظر إلى عمل، كما يشير النبي إلى البعد الرأسي فقط؛ الصلة بينه وبين الله، في حين أن الرسول يشير إلى البعد الأفقي أيضا؛ أي الصلة بينه وبين الناس في التبليغ وحمل الرسالة وأداء الأمانة، ومن هنا أتت صفات الرسول الأربعة؛ الصدق والأمانة والتبليغ والفطنة، واستحالة أضدادها؛ الكذب والخيانة والكتمان والتهور. ويشتق لفظ النبي من فعل لازم في حين يشتق لفظ الرسول من فعل متعد، الأول لا يشير بالضرورة إلى كل الأطراف في حين يشير الثاني ضرورة إلى الأطراف الأربعة؛ المرسل، والمرسل إليه، والمرسل إليهم، والرسالة. يطالب النبي بالتصديق فحسب بينما يطالب الرسول بالتصديق وبالعمل. الإيمان عند الأول مجرد إقرار وتصديق في حين أنه عند الثاني إقرار وتصديق ونظر وعمل. قد لا ينجح النبي في النبوة، ويصيبه من الأذى الكثير، فدوره هو الشهادة على العصر في حين أن الرسول مطالب بالنجاح؛ بناء المجتمع وتأسيس الدولة؛ لذلك كان بالنبوة تعظيم واستحقاق نظرا للشهادة أما الرسالة فجزاؤها قدر الأعمال، وإن كان كلاهما مؤيدا بالمعجزات فإن تأييد النبي بها أقوى من تأييد الرسول الذي يكفيه يقين الرسالة الداخلي، والقدرة على تكوين الأفراد وتجنيد المؤمنين والدفاع عن النفس بالفعل، ومقابلة العنف بالعنف، والأخذ بأسباب القوة بغية الانتصار.
48
ثانيا: وجوبها، واستحالتها، وإمكانها
والسؤال الأول النظري هو جواز البعثة وهل هي واجبة أم مستحيلة أم ممكنة، فإثبات النبوة أو إنكارها إحدى المسائل الأساسية التي تصنف طبقا لها الفرق، والحقيقة أن الفرق بين الوجوب والإمكان ليس كبيرا؛ فكلاهما إثبات للنبوة في مقابل الاستحالة التي تعني الإنكار، إنما الخلاف بين الوجوب والإمكان إنما فقط في درجة الإثبات، إما الوجوب ضرورة أو الوقوع إمكانا. إنما يخشى من الوجوب الوقوع في الواجبات العقلية، الواجبات على الله مثل الصلاح والأصلح واللطف والألطاف والعوض والاستحقاق؛ وبالتالي يكون الخلاف بين الإنكار والإثبات، ثم يتفرع الإثبات إلى الضروري والممكن.
1 (1) هل النبوة واجبة؟
Bog aan la aqoon