Min Caqida Ila Thawra Nubuwwa
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
Noocyada
تعني النبوة الخبر أو الإخبار؛ فالوحي يأتي من الخبر، والخبر مصدر الوحي؛ الخبر هو الدال، والوحي هو المبادئ العامة في المعرفة الإنسانية لا شخص النبي، وموضوعه حياة البشر وصالح الناس وليس شخص المرسل أو الرسول. تعطي النبوة إذن معارف وأخبارا، فهي من جانب المعرفة من أجل توجيه السلوك؛ لذلك جاءت النبوة اشتقاقا من النبأ أي الخبر بالهمزة؛ أي الإعلام، والإعلام غير الإلهام، وليس من باب الظن والوهم أو الكهانة أو النجوم، بل إخبار الله بما يكون. النبوة إذن نوع من المعرفة متميزة عن أنواع المعارف الأخرى؛ يقينها باطني، ومعرفتها يقينية. إذا كان الإلهام كشفا فالنبوة استدلال، وإذا كان التوهم ظنا فالنبوة يقين، وإذا كانت الكهانة من استراق الشياطين السمع من السماء، فيرمون بالشهب الثواقب وقد انقطعت بمجيء الرسول، فالنبوة عقل وليست سحرا، وإذا كانت النجوم تجارب تتعلم، فالنبوة علم وليست تخمينا أو خرافة، وإذا كانت الرؤيا لا يدري أحد صدقت أم كذبت، فالنبوة لا تأتي إلا في اليقظة دون الحلم.
42
وهناك معان زائدة في النبوة تتحدث عن كيفية المعرفة، صحيح أن الوحي لغة يعني الإعلام في خفاء ولكنه اصطلاحا إعلام الله للأنبياء، إما بكتاب أو برسالة ملك أو بمنام أو بإلهام، وإلهام غير الأنبياء في هذه الحالة ليس وحيا، فالوحي للتشريع وليس فقط للمعارف النظرية؛ لذلك قد يجيء الوحي بمعنى الأمر وبمعنى التسخير، ويكون الإلهام بمعنى الهداية والإشارة، ويطلق بهذا المعنى على القرآن والسنة؛ أي على الوحي المكتوب والمدون، وقد يزاد على هذا المعنى الزائد أصلا تفصيل كيفية حدوث الوحي، بأن يخلق الله حالة في النبي يسمع بها مثل صلصلة الجرس، أو من خلال ملك يتمثل رجلا؛ أي عن طريق الصوت أو الرؤية، عن طريق السمع أو البصر، من خلال الأذن أو العين؛ أي من خلال الحواس. وهذه المعاني الزائدة يصعب تأصيلها عقلا وتبقى سمعية خالصة.
43
وقد ركز الفلاسفة على النبوة بهذا المعنى الزائد داخل نظرية الاتصال؛ فقد أراد الفلاسفة أن يجمعوا فيها خواص ثلاثا؛ أن يكون النبي مطلعا على الغيبيات ما دامت النفوس الإنسانية مجردة قادرة على إدراك المجردات، وأن تظهر منه الأفعال الخارقة للعادة ما دام بروحه قادرا على التأثير، وأن يرى الملائكة مصورة ويسمع كلامها وحيا، نوما أو يقظة.
44
والحقيقة أن هذه الخواص الثلاث تجسيد للمعاني الزائدة في النبوة وتصوير لها؛ فالنبوة ليست غيبية بل حسية تؤكد على رعاية مصالح العباد، والغيبيات اغتراب عنها، والمعارف النبوية دنيوية حسية تتعلق بشئون الناس وصلاح معاشهم، كما أنها إخراج للنبي عن حدود الطاقة البشرية، وجعل صدق النبوة خارجيا وليس داخليا وضد قوانين العقل والطبيعة وليس معها، كما أن هذه المعاني الزائدة المشخصة وقوع في الغيبيات وإخراج للنبوة من محورها الأفقي، النبوة في العالم ومسارها في التاريخ إلى محورها الرأسي، النبوة كطريق بين النبي والله، طريقة للوصول خارج الزمان وخارج التاريخ، ولا يهمنا في النبوة طريقة الإيصال؛ الوحي أو الرسول أو من وراء حجاب، ولا يهمنا أيضا في النبوة الملك وأنواعه وطريقة قدومه وجرسه وصوته وشكله، ولا يهمنا ثالثا خيال النبي، وكيف كان يأتيه الوحي نائما أم يقظا، لا شأن لنا بالصلة بين الله والرسول وطريقة الاتصال بينهما بالملاك أو بغيره، اسمه وشكله وصوته؛ فذلك لا يمكن معرفته حسا أو عقلا، ولا شأن لنا بالنبوة بين الملائكة والجن والشياطين أو البهائم والطير والجمادات ما دامت مثلنا، نحن البشر؛ فهي كلها موضوعات مفارقة لا تسمح بها نظرية العلم في المقدمات النظرية الأولى، ما يهمنا هو الرسالة ذاتها التي بها صلاح العباد، والنبوة للبشر وحدهم؛ فطريق النبوة جزء زائد على تعريفها وخارج عن حقيقتها.
وقد تعني النبوة معنى ثانيا غير الإعلام والإخبار وهي الرفعة، فالنباوة من غير همزة ما ارتفع من الأرض؛ وبالتالي يكون النبي هو رفيع المنزلة عند الله، وهو معنى يترك النبوة ويتجه نحو النبي، ويترك الرسالة ويعرف الرسول، ويترك النبوة في التاريخ ويتصور علاقة النبي بالله، ويؤثر قيمة الارتفاع على الانخفاض، والصعود على الهبوط، ويفضل التأويل على التنزيل، وهو ما يعارض سير الوحي ومسار النبوة.
45
وليست وظيفة النبوة الإخبار بالمستقبل؛ فتلك كانت وظيفة النبي قبل خاتم النبوة كدليل على الصدق، وطبقا للمعنى الاشتقاقي للفظ في اللغة العبرية.
Bog aan la aqoon