ولاشك أن كل من أتى بفعل إختيارى فلابد له فى ذلك الفعل من غرض ، فمتى كان الغرض فى الفعل واحدا ، سمى هذا الفعل اخلاصا . فمن تصدق وكان غرضه محض الرياء فهو غير مخلص ، ومن كان غرضه محض التقرب إلى الله فهو مخلص ، ولكن العادة جارية بتخصيص اسم الإخلاص بتجريد قصد التقرب إلى الله تعالى عن جميع الشوائب ، كما أن الإلحاد هو الميل ، ولكن خصصه العرف بالميل عن الحق.
فإذا عرفت هذا فنقول : الباعث على الفعل إما أن يكون روحانيا فقط ، وهو الإخلاص ، أو شيطانيا فقط ، وهو الرياء ، أو مركب منهما ، وهو على ثلاثة أقسام ، لأن الطرفين إما أن يكوناعلى السوية ، أو يكون الروحانى أقوى ، أو يكون النفسانى أقوى.
القسم الأول : وهو أن يكون الباعث روحانيا فقط ، وهذا لايتصور الإ من محب لله ، مستغرق الهمة به : بحيث لم يبقى فى حب الدنيا فى قلبه مقر ، حتى لا يحب الأكل والشرب. بل تكون رعبته فيه كرغبته فى قضاء الحاجة ، من حيث أنه ضرورة الجبلة.
فلذلك لا يشتهى الطعام لأنه طعام ، بل لأنه يقويه على عبادة الله.
فمثل هذا الشخص إذا أكل أو شرب أو قضى حاجته كان خالص العمل فى جميع حركاته وسكناته ، وإذا نام مثلا لتستريح نفسه لتقوى على عبادة الله كان نومه أيضا عبادة.
أماالقسم الثانى : وهو أن يكون الباعث نفسانيا ، فهو لا يتصور إلا من محب للنفس والدنيا ، مستغرق الهم بهما ، بحيث لم يبقى لحب الله فى قلبه مقر.
وكما أنه فى القسم الأول لما غلب حب الله وحب الآخرة على قلبه أكتسب بحركاته الإختيارية هذه الصفة ، فكذلك من غلب على قلبه حب النفس والدنيا ، أكتسبت جميع أفعاله تلك الصفة ، فلا يسلم له شئ من عبادته ، وهذان القسمان لا يخفى حكمهما فى الثواب والعقاب.
وأما الأقسام الثلاثة الباقية فتقول :
Bogga 62