140

قالوا: وليس ذلك الطلب نفس الإرادة والكراهة بدليل أنه تعالى قد يأمر بما لا يريد وينهى عما يريد، وإذا ثبت هذا ثبت أن الحسن والقبح لا يرجعان إلى نفس الفعل، إذ لو كانا كذلك لبطل كون تعلق الطلب ذاتيا؛ لأنه والحال هذه طلب الفعل والترك لأمر يرجع إلى الفعل، وهو ما له من الصفات والاعتبارات، وتقرير هذه الشبهة إنما هو تبع (للمقبلي) فإنه قال إنها مبنية على أن الطلب صفة ذاتية متميزة عن العلم والإرادة، وفي كلام (السعد) عن بعض الشراح ما يدل على بنائها على هذا، و(للعضد) تقرير آخر لعله يعود إلى ما هنا.

والجواب: أن هذه الشبهة مبنية على أصل فاسد وهو قدم كلامه تعالى، وأنه معنى، ونحن لا نسلم شيئا من ذلك، وليس هذا موضع بيان فساده، إلا أنا نتكلم هنا على إبطال الطلب الذي أثبتوه مغايرا للإرادة ونحوها، وما يترتب عليه، فنقول: إن هذا المعنى الذي سميتموه طلبا لا يعقل ولا دليل عليه، وإثبات ما لا دليل عليه يفتح باب الجهالات، ويوجب تجويز المحالات، ثم إنه مبني على أن الطلب للفعل يثبت قبل الأمر به والنهي عنه، وبطلانه معلوم ضرورة، فإن المعلوم أن أهل اللغة لا يسمون الساكت آمرا ولا ناهيا، وإنما الطالب عندهم هو الناطق بصيغة الطلب، وأما دعواهم مغايرته للعلم والإرادة، فجوابه أن ذلك الذي يجده أحدنا من نفسه قبل النطق بالصيغة إنما هو إرادة الكلام، أو العزم عليه، أو العلم بترتيب حروفه، أو التفكر في كيفية ترتيبها، فإذا كان الموجود هو أحد هذه الأشياء فكيف يكون مغايرا لها، وأما قولهم: لو كان الطلب هو الصيغة لما اختلف حاله، فجوابه: أن ذلك لا يتم إلا بعد أن يتقرر أن لفظ الطلب يفهم منه معنى غير اللفظ لا يتغير، وقد بينا أن أهل اللغة لا يطلقون الطلب إلا على الصيغة، وإذا كان الطلب هو الصيغة فلا حرج في تغيره بالمواضعة.

Bogga 140