131

Matalib Saul

مطالب السؤول في مناقب آل الرسول‏

وأقام بعد رسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم)) بمكة ثلاث ليال وأيامها يرد الودائع التي كانت عند رسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم)) للناس، حتى إذا فرغ منها ولم يبق بمكة من المسلمين احد سواه إلا من هو معذب في الإسلام محبوس عليه.

ثم خرج ((عليه السلام)) طالبا أن يلتحق بالنبي ((صلى الله عليه وآله وسلم)) وحده، فأقام وحده بمكة بينهم ثم خرج وحده من مكة مع شدة عداوتهم له وطلب المدينة فوصلها، فنزل مع رسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم)) على كلثوم بن هرم.

فلو لم يكن الله (تعالى) قد خص قلبه بقوة، وجنانه بثبات ونفسه بشهامة لاضطرب في هذا المقام وإن كان آمنا من أذاهم في مبيته، لقول النبي ((صلى الله عليه وآله وسلم)): «لن يخلص إليك شيء تكرهه». فإن النفوس البشرية قد تتيقن عدم الخوف [والأذى] ومع ذلك يظهر عليها الاضطراب من رؤية المخوف، فإن موسى ((عليه السلام)) مع درجة النبوة وقد أخبره الله (تعالى) بأنه اختاره لما أمره بالقاء عصاه فألقاها، فلما صارت حية خاف وولى مدبرا، فقال له الله (تعالى): أقبل ولا تخف وقال له (تعالى): خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى ، فلم يمكنه أن يخالف الأمر.

وكان عليه كساء فلف طرف الكساء على يده ليأخذها فقال: ما لك يا موسى أرأيت لو اذن الله لها في أذاك أرد عنك كساؤك شيئا؟ فقال:

لا ولكني ضعيف ومن ضعف خلقت.

فالنفس البشرية هذا طبعها، وكذلك أم موسى لما أمرها الله (تعالى) بإلقاء ولدها في اليم ونهاها عن الخوف والحزن وأخبرها أنه يرده إليها فلما ألقته في اليم داخلها الاضطراب من النفس البشرية حتى كادت لتبدي به وتفضح أمرها، لو لا أن ربط الله عليها فلم تنطق مع اضطراب القلب.

Bogga 140