Mashahid Mamalik

Idwar Ilyas d. 1341 AH
111

Mashahid Mamalik

مشاهد الممالك

Noocyada

ولبيان ما تقدم عن هذه الآية الكبرى من غرائب المعرض أقول: إنه شكل في باريس شركة بنت جسرا (كوبري) من خشب، طوله 3370 مترا، ولكنه كان مع هذا الطول له منظر يقرب من الاستدارة، وقد أقاموا هذا الجسر على عمد متينة ضخمة من الحديد والخشب، وكان علوه سبعة أمتار عن سطح الأرض، وبنوا فوق هذه العمد رصيفا من ألواح الخشب رصت بعضها إلى بعض حتى كأنها لوح واحد من الخشب، وركبوا تحت هذه الألواح عجلات صلبة، مثل عجلات السكك الحديدية تدور بقوة المجرى الكهربائي، وأنت لا ترى حركتها من تحت قدميك ولكنك ترى نفسك واقفا فوق الرصيف أو جالسا إلى أحد الكراسي الموضوعة عليه، وقد قسموا هذا الرصيف ثلاثة صفوف أو أرصفة، أحدها إلى جانب الآخر، ولا يبعد الرصيف منها عن التالي له إلا مقدار قيراطين، وكان الرصيف الأول أو هو الصف الأول من هذا الرصيف المتحرك ثابتا لا يتحرك، وعرضه متر وعشر المتر، وأما الرصيف الثاني وعرضه متر وتسعون سنتيمترا، فكان يتحرك سائرا بسرعة 4 كيلومترات في الساعة، والثالث وعرضه متران يتحرك أيضا بضعفي سرعة الرصيف الثاني - أي 8 كيلومترات في الساعة - فكان الركاب إذا أرادوا الذهاب على الرصيف المتحرك من مكان في المعرض إلى مكان يشترون تذكرة الانتقال من الرصيف، ثم يخطون إلى الرصيف الثاني المتحرك بالسرعة المعتادة، وهي سرعة الماشي في الطريق، ويتقدمون إلى الرصيف الثالث السريع، فإذا شاءوا وقفوا وإن شاءوا جلسوا إلى الكراسي، ويخيل لهم أن المكان ثابت بهم؛ لأنهم لا يرون له حركة ولا يشعرون بقلقلة ولا رجرجة ولا ضجة ولا غوغاء، ولا تصفير ولا عثير مثل الذي ينشأ عن الركوب في أرتال سكة الحديد، كل ذلك والرصيف سائر بهم يتنقل على ضفة السين ما بين هاتيك المباني الفخيمة والمشاهد العظيمة والحدائق الغناء والقصور الشماء والزخارف الحسناء، فهي سياحة قصيرة ليس لها نظير فيما تجتازه أرتال السكك الحديدية في جميع الأقطار.

ولقد كان الراكبون في الرصيف المتحرك يرون المعرض برمته تقريبا خلافا للواقف في جانب منه ويمرون بالبواخر السائرة في النهر فتزيد المشاهد التي تعرض عليهم في هذا السفر الشهي، وكان الرصيف المذكور دائم التحرك لا يبطل انتقاله في جوانب المعرض من الصباح إلى المساء والناس تنتابه ألوفا، هؤلاء يصعدون على الطريقة التي تقدم وصفها، وهي طريقة التدرج من الرصيف الثابت إلى المستعجل، وهؤلاء ينزلون على عكس الطريقة المذكورة؛ أي إنهم ينتقلون من الرصيف الأخير إلى الثاني ومنه إلى الأول الثابت حيث يريدون النزول. وقد جعلوا حركة هذا الرصيف في أبهى بقاع المعرض وأعظم جوانبه، وكان يجتاز هذه المسافة في 25 دقيقة، ويمكن أن يقف عليه 13400 شخص في آن واحد، وكان إقبال الناس على هذا الرصيف الجميل عظيما، وكثر حدوث النكات والحوادث المضحكة عليه في كل يوم، فإن زمرا من الناس كانت تجيء معا للانتقال عليه، فإذا انتقل بعض الرفاق قبل غيرهم إلى الرصيف المستعجل سبقوا رفاقهم الذين يسيرون بسرعة الرصيف البطيء، فتنقسم الزمر ويبعد الرفاق عن الرفاق، وهم لا يرون حركة توجب هذا الانفصال. ويقوم المتأخرون منهم عدوا حتى يدركوا المتقدمين، وكان بعضهم - ولا سيما الصغار - يركضون إلى الوراء فوق الرصيف - أي في جهة تخالف جهة سيره - فيتعبون من الجري، وهم على ما يرون ما زالوا في مواضعهم لا ينتقلون، وكان لهذا الرصيف تسع محطات، ولكنه لم يجعل تلك المحطات للوقوف؛ لأنه كان دائم الحركة، إنما الركاب كانوا يدخلونه أو يخرجون منه في تلك المحطات، وكان المتفرجون من الكبار والصغار مئات على جوانب هذا الرصيف، والمصورون أبدا هنالك يأخذون رسوم الراكبين، وقد عرضوها بعد أيام المعرض بالسنماتوغراف، أو هي طريقة الصور المتحركة في كثير من الأقطار، فكان الناس يرونها كأنما هم في أرض المعرض واقفون أمام الرصيف المذكور.

الرصيف المتحرك.

هذا أهم ما يقال في الرصيف المتحرك، وهو بدعة المعرض ونقطة بهائه، وقد بنته الشركة التي بنت سكة الحديد الكهربائية وكان رأس مالها أربعة ملايين فرنك.

وقد فطنوا إلى طرق أخرى كثيرة غير هذه لتسهيل الانتقال على الزائرين، ووضعوا ألوفا من المقاعد والكراسي في شوارع المعرض وميادينه وطرقه، كان الذين يتعبهم الانتقال الطويل يستريحون عليها بزهيد الأجرة، وكان في هذه الطرق نوع من الكراسي المتحركة يجلس إليها المرء مستريحا ومن فوقه المظلة تقيه من المطر أو حر الشمس، ومن ورائه خادم يدفع الكرسي فيسير على عجلات صغيرة إلى حيث يريد الراكب الوقوف. وعلى الجملة فإنهم أظهروا مزيد الاهتمام براحة الزائرين، فلم أسمع بشكوى مدة هذا المعرض العظيم.

المعرض المصري:

كان في أرض المعرض العام غير القصور الرسمية التي تقدم ذكرها معارض أخرى خصوصية شكلت شركات شتى للقيام بها، وأهمها وأوفرها إتقانا المعرض المصري بنته شركة رأس مالها 40 ألف جنيه على شكل هيكل مصري قديم في خارجه، وعلى شكل خان أو وكالة من الداخل، مثل خان الخليل في مصر لبيع الحلي والمصاغات العربية، وكان فيه مرسح عربي على شكل قاعة في هيكل مصري قامت على أعمدة ضخمة، مثل عمد هيكل دندرة في قنا من مديريات القطر المصري، أو هيكل بعلبك من بلاد الشام، وزينت بالألوان المصرية على يد ذوي خبرة بهذا الفن، وكان مسطح هذا المرسح وحده 1000 متر يمثل به الرقص المصري. على أن هذه الشركة وشركات أخرى سواها خسرت في هذا المعرض بدل الربح المنتظر؛ ذلك مع أن المعرض المصري كان عظيم الإتقان، حتى إنه عد بين قصور الممالك، ولكن الخسارة جاءت من كثرة ما في هذا المعرض من المشاهد والمعارض واتساع جوانبه، حتى إن الناس كانوا يملون بعد رؤية الأشياء العمومية، أو لا يبقى لديهم وقت لبقية الفروع، وقد حدث لي ما أيد هذا الظن في ذهني، فإني يوم وصلت باريس قصدت رؤية المعرض المصري قبل كل الأشياء، فحال دون مرادي ألف منظر فتان، وألف موضع بديع سبقت إليه، فلم أتمكن من دخول القسم المصري إلا في زيارتي الثالثة لأرض المعرض، ولا ريب أن غيري تخلفوا عنه لمثل هذا السبب، فكان ذلك داعيا إلى الخسارة كما تقدم القول.

باريس القديمة:

من المعارض الخصوصية التي بنتها الشركات معرض باريس القديمة، بنوها في أرض لا تقل مساحتها عن 6000 متر مربع، وأقاموا فيها أشكال البناء والتنظيم لتمثيل حالة باريس كما كانت من مائة سنة، فكان في جملة ذلك الكنائس والأسواق والمنازل على شكلها في أول القرن التاسع عشر تماما، ووضعوا هنالك أيضا زوارق وسفنا شراعية، مثل التي كانت تمخر في نهر السين في ذلك الحين. كذلك المراسح أقاموها على المثال القديم، وقام الممثلون والممثلات بتشخيص الروايات التي كانت شائعة يومئذ وعلى طريقة ذلك الزمان وأزيائه، والمدارس القديمة على نسق العصر الغابر كان الأولاد فيها بملابس القدماء ، فكان ذلك كله فرجة للناظرين تقاطر عليه الناس بالألوف وعشرات الألوف، وكان فيه لذة لطلبة العلم بأحوال الناس من قدم وتذكر الآباء والأجداد على الحالة التي درست الآن، فما بقي لها ذكر إلا في مثل هذا المعرض أو في كتب التاريخ.

القرية السويسرية:

Bog aan la aqoon