بهذه الجملة وأشباهها يرد معاوية على كل من ينشده العدل ويطلب إليه «أن يعدل عن فتنته التي أثارها، ويتقي الله في تفرق جماعة هذه الأمة وسفك دمائها بينها.»
وبهذا السلاح الماضي الأخاذ بالأبصار يستميل الناس إليه ويؤلب جموعهم ضد «علي» وأشياع «علي» وأنصاره، كأنما لا هم له من الدنيا إلا الثأر لعثمان وحده، ولا غرض له في خلافة أو ملك!
وبهذا المعول القوي يهدم كل دعوة للتوفيق، ويدك كل صرح للوئام من أساسه، فتذهب جهود المخلصين والراغبين في حقن دماء المسلمين سدى، ويسد الطريق سدا على كل خطيب بليغ، ويرد به على كل حجة، بالغة ما بلغت من الأصالة والصدق!
فإذا قال له وفد «علي»: «يا معاوية، إن الدنيا عنك زائلة وإنك راجع إلى الآخرة وإن الله - عز وجل - محاسبك بعملك وجازيك بما قدمت يداك، وإني أنشدك الله عز وجل أن تفرق جماعة هذه الأمة، وأن تسفك دماءها بينها.»
أسرع معاوية فقطع عليه الكلام، وقال له: «هل أوصيت بذلك صاحبك؟»
فإذا أجابه: «إن صاحبي ليس مثلك، إن صاحبي أحق البرية كلها بهذا الأمر، في الفضل والدين والسابقة في الإسلام والقرابة من الرسول
صلى الله عليه وسلم !» قال له معاوية: «فيقول ماذا؟» فإذا أجابه بقوله: «يأمرك بتقوى الله عز وجل، وإجابة ابن عمك إلى ما يدعوك إليه من الحق، فإنه أسلم لك في دنياك وخير لك في عاقبة أمرك.»
ارتبك معاوية، ولم يبق أمامه ما يبرر به إحداث هذه الفتنة الشعواء التي أوقد نارها، وأشعل ضرامها في سبيل الخلافة، وضحى من أجلها بالألوف من أرواح المسلمين البريئة، وثمة يقذف بهذا الحجر في وجه ناصحه فيقول له: «ونطل دم عثمان رضي الله عنه؟ لا والله لا أفعل ذلك أبدا.»
وبذلك يبرر سلوكه وتمرده على الخليفة «علي» ويتظاهر بالغيرة على دم عثمان أن يطل، ويذهب دون أن يثأر له، وقد كان - بالأمس - يتباطأ عن حقنه، وصون حياة صاحبه وهو يستنجده فيصم أذنيه عن سماع دعوته، ولا يخف لنجدته، كما يخف الآن للانتقام ممن يزعمهم قاتليه!
فإذا توادع القوم - يوم صفين - واختلفت الرسل فيما بين علي ومعاوية كان رده على الوفود شبيها برده على سابقيهم من قبل.
Bog aan la aqoon