تذكرة
مصرع عمر
مصرع عثمان
مصرع علي
مصرع الوليد الثاني
مصرع مروان الجعدي
مصرع مروان ومصرع الدولة الأموية
مصرع الأمين
مصرع المتوكل
مصرع المعتز
Bog aan la aqoon
تذكرة
مصرع عمر
مصرع عثمان
مصرع علي
مصرع الوليد الثاني
مصرع مروان الجعدي
مصرع مروان ومصرع الدولة الأموية
مصرع الأمين
مصرع المتوكل
مصرع المعتز
Bog aan la aqoon
مصارع الخلفاء
مصارع الخلفاء
مشاهد رائعة نقلها عن التاريخ
تأليف
كامل كيلاني
التاريخ التصويري
بقلم أبو شادي
قل يا أرق الكاتبين، فأنت من
يلقى بكل طريفة مشغولا
صور لنا الماضي تزد أعماره
Bog aan la aqoon
عمرا، وتشعرنا الحياة الأولى
ما كل من عد المؤرخ وصفه
أثر تزيد به المآثر طولا
أوجزت إيجاز البخيل، وإنما
كان الغنى في طيه محمولا
في كل سطر للوقائع معرض
وبكل فصل ما يعد فصولا
نتأمل الفنان في إبداعه
كالجوهري تأنقا وأصولا
ونطالع الإحسان في آياته
Bog aan la aqoon
من كل فاتنة ترد عجولا
ونصاحب التاريخ في أيامه
صورا، ونلمس سره المنقولا
شأن الأديب الألمعي بيانه
يغدو الجمال بروحه مأهولا •••
راحت «مصارعهم» وقد تركت لنا
عبرا تسائل أنفسا وعقولا
ومضوا، وما كانوا سوى خبر لهم
فإذا المقاتل صاحب المقتولا
حتى إذا همت براعة «كامل»
Bog aan la aqoon
صار الدفين ممثلا موصولا
و«الفن» أقدر من يعيد معالما
درست، وأكرم من يشوق ملولا
تصدير
بقلم صاحب مكتبة الوفد محمد محمود
القاهرة في 15 سبتمبر سنة 1929
يمثل هذا الكتاب الطريف حلقة من الدراسات المتنوعة التي يقوم بها الكاتب المتفنن الكبير الأستاذ كامل كيلاني، ويتتبعها جمهور الأدباء بشغف وافر في مصر وفي غيرها من الأقطار العربية.
وقد كان من حظي - بالأمس القريب - إذاعة تصنيفه الجميل «مختار القصص» الذي لاقى من الإقبال العظيم عليه بين محبي الأدب ما هو جدير به، وما هو حري بفخر مؤلفه النابغة، فشجعني ذلك على إصدار هذا الكتاب التصويري التاريخي الذي يدل عنوانه على موضوعه، كما تفسر إلمامة الأستاذ كيلاني حكمة وضعه أحسن تفسير.
وبديهي أنه ما كان يشق على الأستاذ المؤلف أن يتوسع في الشرح والبيان فيتضخم تصنيفه، ولكن مثله يربأ بقلمه عن ذلك، ويؤثر أن يقدم لنا - في كتابه البديع - الطريف من البحث في الطريف من الأسلوب الموجز البليغ، وفي طي كل هذا من العبر التاريخية ومن التصوير للأخلاق والأهواء الإنسانية وتقلب القدر ما فيه متعة وفائدة للقارئين لا تقدر بثمن. •••
وإني أنتهز مناسبة هذا «التصدير» فأشكر للأدباء الكثيرين - في مصر وخارجها - تشجيعهم القيم، وأعدهم ببذلي غاية ما في وسعي من مجهود لإذاعة خير التآليف العصرية التي تتلقاها «مكتبة الوفد»، حتى تبقى سلسلة مطبوعاتها الأدبية موضع فخري ومبعث رضائهم دائما.
Bog aan la aqoon
إلمامة
بقلم كامل كيلاني
1
ليس أروع للنفس من تمثل مصارع الناس والاستماع إليهم في ساعاتهم الأخيرة، وتعرف ما قالوه وقت حلول الأجل، وآخر ما تفوهوا به من الكلم قبل أن يفارقوا هذا العالم - خيره وشره - فراقا أبديا لا عودة لهم بعده.
وإذا كان هذا هو شعورنا بجلال الموت وروعته، فلا جرم أنه يعظم ويزداد إلى أقصى حد حين يقترن بعظمة الملك وأبهته، وليس أشجى للنفس من تمثل مصرع خليفة أو قائد كبير أو شاعر عظيم، من أولئك الذين تركوا في هذا العالم أكبر أثر ونقشوا في تاريخه صفحات لا يمحوها الزمن.
ولعل خير ساعة يستعرض فيها المتأمل تاريخ حياة إنسان هي ساعة احتضاره، فإنه يرى - حينئذ - أمام كل صورة من صور الضعف صورة أخرى من صور القوة، ويلمح بجانب تلك الصور المشجية الحزينة ما يقابلها من الصور الماضية البسامة المشرقة.
2
ألا ترى إلى «الوليد الثاني» مثلا من موقفيه أمام المصحف؛ يخرقه بالنشاب - وهو في جبروته وطغيانه - ثم يقرؤه معتبرا والناس يحاصرونه، وليس بينه وبين الموت إلا دقائق معدودة!
ألا ترى إلى عثمان - وهو الشيخ الوقور - كيف يصرع ويأبى عليه الثائرون أن يدفن، وتظل جثته كذلك ثلاثة أيام، ثم يدفن خلسة، بعد أن يحمل على باب ويسرع الناس به خوفا من الثائرين فيقرع رأسه الباب؟
1
Bog aan la aqoon
ألا ترى إلى الأمين - وهو محاصر مهموم - يطلب الخلاص أو النجدة، فلا يجد إلى ذلك سبيلا - بعد أن ضيق عليه طاهر سبيل النجاة - وقد علمت ما كان له من عز وسلطان وبطش؟
ألا ترى إليه يجيئه - من قبل - نبأ هزيمة قائده «علي بن عيسى» وقتله - والأمين حينئذ على الشط يصيد السمك - فيقول لمحدثه: «ويلك، دعني فإن كوثرا قد اصطاد سمكتين وأنا ما اصطدت شيئا بعد؟»
فانظر إلى تلك الخاتمة المروعة التي انتهت بها حياة هذا المستهتر الباطش العزيز، وهو يستغيث فلا يغاث، ويطلب النجدة فلا يأبه له أحد، ثم يذبح من قفاه فيذكرنا بقول شاعر المعرة:
وما أجل عظيم من رجالهم - إذا نؤمل - إلا ماعز ذبحا
ونمثله - في صورة أخرى - باطشا ولاهيا، ومترنح الأعطاف زهوا، ومصعرا خده تيها، وقابضا على ناصية الخلق متصرفا في أرزاقهم وأعمارهم، تعنو له الجباه وتنحني أمامه الرءوس وينشده أبو نواس قوله:
وقد كنت خفتك ثم أمنني
من أن أخافك خوفك الله
فسبحان المعز المذل.
هو الموت، مثر عنده مثل مقتر
وراكب نهج مثل آخر ناكب
Bog aan la aqoon
ودرع الفتى - في حكمه - درع غادة
وأبيات كسرى من بيوت العناكب!
3
هذه التأملات هي الباعث الأول الذي حداني لإخراج هذا الكتاب «مصارع الخلفاء» والكتاب الذي يليه «مصارع الأعيان»، وقد حاولت أن أدون فيهما طائفة من أروع المشاهد التي ذكرها لنا التاريخ، كما حاولت أن أرسم في ذهن القارئ صورا واضحة مشرقة بالحياة، ولعلي وفقت في هذه المحاولة بعض التوفيق.
هوامش
تذكرة
يمر الحول - بعد الحول - عني
وتلك «مصارع الأقوام» حولي
كأني بالألى حفروا لجاري
وقد أخذوا المعاول وانتحوا لي •••
Bog aan la aqoon
والدهر ينسي كمي الحرب صارمه
ودرعه وفتاة الحي مجولها!
ويسترد من النفس التي شرفت
ما كان في سالف الأيام خولها!
أبو العلاء
مصرع عمر
هم ضربوا حيدرا
1
ساجدا
وحسبك من عمر
Bog aan la aqoon
2
إذ طعن
أبو العلاء
ودخل «أبو لؤلؤة» في الناس؛ في يده خنجر له رأسان، فضرب عمر ست ضربات إحداهن تحت سرته وهي التي قتلته.
المؤرخون (1) وصفه
رجل أبيض تعلوه حمرة، أشيب أصلع، يصفر لحيته بالحناء ويرجل رأسه، أعسر أيسر، طوال يمشي كأنه راكب.
قال بعض من رآه: رأيت عمر يأتي العيد حافيا، أعسر، أيسر، متلببا برداء قطري، مشرفا على الناس كأنه على دابة، وهو يقول: «أيها الناس هاجروا، ولا تهجروا.» (2) أخلاقه
ويا أبا محمد، قد رمقته، فرأيتني إذا غضبت على الرجل في الشيء أراني الرضا عنه، وإذا لنت له أراني الشدة عليه.
أبو بكر •••
هذا هو أظهر أخلاق عمر - رضي الله عنه - الميل الشديد إلى التوازن والمساواة؛ يخشى أن يفسد الناس إذا لان، أو يرغمهم ويذلهم إذا اشتد، فيسلك طريقا وسطا بين الشدة واللين.
Bog aan la aqoon
لقد كان - رحمه الله - ورعا متقشفا زاهدا، كما كان حكيما واسع الخبرة بأخلاق العرب، قوي الشكيمة، لا يتردد لحظة في إحقاق الحق وإنصاف المظلوم من ظالمه، يرى أن أحقر أفراد الرعية وأكبر أمراء الدولة سواء أمام الحق، وهو صاحب القولة المشهورة في إحدى خطبه: «من ظلمه أمير فلا إمرة عليه دوني!»
وقد روى لنا التاريخ عن سهره على رعيته وعدله وإنصافه وديمقراطيته شيئا كثيرا، نجتزئ منه بما رواه الغزالي إذ يقول:
أرسل قيصر رسولا إلى عمر بن الخطاب، لينظر أحواله ويشاهد أفعاله، فلما دخل المدينة سأل أهلها وقال: «أين ملككم؟» فقالوا: «ما لنا ملك، بل لنا أمير قد خرج إلى ظاهر المدينة!» فخرج الرسول في طلبه فرآه نائما في الشمس على الأرض فوق الرمل الحار وقد وضع درته كالوسادة، والعرق يسقط من جبينه إلى أن بل الأرض، فلما رآه على هذه الحالة وقع الخشوع في قلبه وقال: «رجل جميع الملوك لا يقر لهم قرار من هيبته، وتكون هذه حالته! ولكنك يا عمر عدلت فنمت، وملكنا يجور، فلا جرم أنه لا يزال ساهرا خائفا! (3) لماذا قتل؟
ولهذا الخبر أضراب وأشباه في سيرته الحافلة، وقد كان من الطبيعي جدا أن تنتهي حياة هذا العادل الساهر على مصالح رعيته بسلام، كما انتهت حياة أبى بكر - رضي الله عنهما - ومهما يجهد الباحث نفسه في تلمس أسباب وجيهة يعلل بها مقتله، فلن يظفر من ذلك بشيء ذي خطر؛ لقد عدل عمر، والعدل أساس الملك، وقام في الناس مثالا عاليا للشرف والنزاهة والبعد عن التحيز، وتضحية كل ما أوتي من عزم وقوة وصحة ووقت ومال في سبيل النفع والخير العام، فلم يكن يدور بخلد إنسان عاقل أن يغتال حياة هذا الخليفة النزيه العادل المحسن، إلا إذا جاز في العقل أن يفكر الساري في تحطيم مصباحه الذي ينير له الطريق، أو يقدم القاطن على هدم داره وتخريب بيته بيده! لذلك نستبعد أن تكون هناك مؤامرة مدبرة ضده، وإن كنا لا نجزم باستحالة حدوثها.
وأوجز ما نعلل به موته أن نزوة طائشة - قامت برأس غلام مأفون - قضت على حياة هذا المصلح الكبير! (4) كيف كان مصرعه؟
قالوا: خرج «عمر بن الخطاب» يوما يطوف في السوق، فلقيه «أبو لؤلؤة» - غلام «المغيرة بن شعبة» - فقال: «يا أمير المؤمنين، أعدني على المغيرة بن شعبة، فإن علي خراجا كثيرا.»
قال: «وكم خراجك؟» قال: «درهمان في كل يوم!» قال: «وإيش صناعتك؟» قال: «نجار، نقاش، حداد!» قال: «فما أرى خراجك بكثير على ما تصنع من الأعمال، قد بلغني أنك تقول: «لو أردت أن أعمل رحا تطحن بالريح فعلت؟!» قال: «نعم.» قال: «فاعمل لي رحا.» •••
وكأنما نبهت في نفسه هذه الجملة خاطرا شريرا كان غائبا عنه وحركت فيها نزوة من نزوات الإجرام، فقال موريا: «إن عشت لأعملن لك رحا يتحدث بها من في المشرق والمغرب.»
ثم انصرف عنه، فقال عمر: «لقد توعدني العبد!»
قالوا بعد كلام لا يتسع هذا المقام إلى تحقيقه ومناقشته: «وقد مر على هذا الوعد ثلاثة أيام.» (5) يوم المصرع!
Bog aan la aqoon
جسد لفف في أكفانه
رحمة الله على ذاك الجسد
عاتكة
وفي صبيحة اليوم التالي خرج عمر إلى صلاة الصبح، وكان يوكل بالرجال صفوفا يسوونها، فإذا استوت جاء هو فكبر.
ودخل «أبو لؤلؤة» في الناس؛ في يده خنجر، له رأسان، نصابه في وسطه فضرب «عمر» ست ضربات، إحداهن تحت سرته. وهي التي قتلته، وقتل معه «كليب بن أبي البكير الليثي» - وكان خلفه - فلما وجد عمر حر السلاح سقط وقال: «أفي الناس عبد الرحمن بن عوف؟» قالوا: «نعم هو ذا.» قال: «فتقدم فصل بالناس.» وعمر طريح! ثم احتمل فأدخل داره، فنادى عبد الله بن عمر، وقال: «اخرج فانظر من قتلني؟» قال: «يا أمير المؤمنين، قتلك «أبو لؤلؤة» غلام المغيرة بن شعبة.» قالوا: «فحمد الله أن لم يقتله رجل سجد لله سجدة!»
ثم جعل الناس يدخلون عليه، المهاجرون والأنصار، فيقول لهم: «أعن ملأ منكم كان هذا؟» فيقولون: «معاذ الله!»
قالوا: ودعوا له بالطبيب فلم يجد للقضاء فيه حيلة، وتوفي ليلة الأربعاء - لثلاث بقين من ذي الحجة سنة 23 - ودفن بكرة يوم الأربعاء في حجرة عائشة مع صاحبيه، حسبما أوصى!
جزى الله خيرا من أمير، وباركت
يد الله في ذاك الأديم الممزق
فمن يسع أن يركب جناحي نعامة
Bog aan la aqoon
ليدرك ما أوتيت بالأمس يسبق
قضيت أمورا، ثم غادرت بعدها
بوائج في أكمامها لم تفتق
أبعد قتيل بالمدينة أظلمت
له الأرض يهتز العضاه بأسوق
تظل الحصان البكر يلقي جنيها
نثا خبر فوق المطي معلق
وما كنت أخشى أن تكون وفاته
بكف «سبنتي»
3
Bog aan la aqoon
أزرق العين مطرق
4
هوامش
مصرع عثمان
«كنت أحد حملة عثمان
1 - حين قتل - حملناه على باب، وإن رأسه لتقرع الباب لإسراعنا به، وإن بنا من الخوف لأمرا عظيما، حتى واريناه في قبره في حش كوكب.» (1) تمهيد
ما ذكرت مصرع عثمان إلا ذكرت الهول، وانتابني غم شديد على هذه الضحية - التي قادها إلى الحتف وأوردها موارد التلف - بطانة السوء ورواد المغانم، وطلاب المآرب الذاتية الحقيرة! هذا هو المقتول ظلما وعدوانا، المسفوك دمه بسبب حماقة جماعة من المخرقين الذين لا هم لهم إلا قضاء لبانات أو شفاء حزازات.
لقد جبل الناس على ظلم من لا يظلم، والثورة على من يحدب عليهم ويرجو لهم الخير.
وهم لمن لان لهم جانبه
ألذع من حيات أنباث السفا
Bog aan la aqoon
ولقد كان عثمان - رضي الله عنه - يعرف في الناس هذا الخلق، ويعلم من طباعهم كل ما يعلمه الحصيف الألمعي، ولكنه يأبى إلا التمادي في حلمه، والركون إلى طبعه، وهكذا.
يتحارب الطبع الذي مزجت به
مهج الأنام وعقلهم فيفله
ألا ترى إلى حكايته، حين زاد في البيت الحرام ووسعه فابتاع من قوم وأبى آخرون؛ فثار ثائره وهدم عليهم دارهم ووضع الأثمان في بيت المال؛ فصيحوا بعثمان.
أتعرف ماذا فعل؟
أمر بهم أن يحبسوا وقال جملته المشهورة مخاطبا بها أولئك الثائرين وهي قوله: «أتدرون ما جرأكم علي؟ ما جرأكم علي إلا حلمي، قد فعل هذا بكم عمر فلم تصيحوا به.»
وفي هذه الجملة ما فيها من الألم اللاذع والحسرة القاتلة، ولكن هل اقتدى بعمر في شدته بعد ذلك؟
كلا، بل عاد إلى طبعه فأخرجهم حين كلمه فيهم بعض الناس.
ولو أن عمر أو أبا بكر مكانه لما تهاونا في القصاص، ولأنزلا بهم ما يستحقون من نكال، فجعلاهم عبرة للمعتبرين وأمثولة للثائرين! •••
توالت الثورات على «عثمان» - رضي الله عنه - وطمع فيه الناس لحلمه، وتطاولوا عليه، فلما لم يردعهم اجترأ عليه غيرهم.
Bog aan la aqoon
وتضافرت أسباب أخرى - سنجملها في الفصل التالي - وتعاون معها قدر لا مفر منه، فانتهت هذه وذاك بإهلاكه، وأدت إلى مصرعه المروع! الذي نترك لزوجته «نائلة بنت الفرافصة» روايته بأسلوبها المؤثر، إذ تقول من كتابها إلى معاوية: (2) كيف صرع «وإني أقص عليكم خبره، لأني كنت مشاهدة أمره كله، حتى قضى الله عليه؛ إن أهل المدينة حصروه في داره يحرسونه ليلهم ونهارهم، قياما على أبوابه بسلاحهم يمنعونه كل شيء قدروا عليه، حتى منعوه الماء. يحضرون له الأذى، ويقولون له الإفك، فمكث هو ومن معه خمسين ليلة.»
وهكذا إلى أن تقول: «ثم إنه رمي بالنبل والحجارة، فقتل ممن كان في الدار ثلاثة نفر، فأتوه يصرخون إليه ليأذن لهم في القتال، فنهاهم عنه وأمرهم أن يردوا عليهم بنبلهم فردوها إليهم فلم يزدهم ذلك على القتال إلا جرأة، وفي الأمر إلا إغراء. ثم أحرقوا باب الدار.»
وهنا تقول: «ودخل عليه القوم يتقدمهم «محمد بن أبي بكر» فأخذوا بلحيته ودعوه باللقب. فقال: «أنا عبد الله وخليفته.»
فضربوه على رأسه ثلاث ضربات، وطعنوه في صدره ثلاث طعنات، وضربوه على مقدم الجبين فوق الأنف ضربة أسرعت في العظم.
فسقطت عليه وقد أثخنوه - وبه حياة - وهم يريدون قطع رأسه، ليذهبوا به فأتتني بنت شيبة بن ربيعة ، فألقت نفسها معي فوطئنا وطئا شديدا. وعرينا من ثيابنا - وحرمة أمير المؤمنين أعظم - فقتلوه رحمة الله عليه في بيته وعلى فراشه، وقد أرسلت إليكم بثوبه وعليه دمه. وإنه والله لئن كان أثم من قتله لما سلم من خذله.» (3) بعد موته
قالوا: «ونبذ عثمان - رضي الله عنه - ثلاثة أيام لا يدفن، ثم إن بعض الناس كلم عليا في دفنه وطلب إليه أن يأذن لأهله في ذلك ففعل، وأذن لهم علي.»
قالوا: «فلما سمع بذلك قصدوا له في الطريق بالحجارة وخرج به ناس يسير به من أهله
2
وهم يريدون حائطا بالمدينة كانت اليهود تدفن فيه موتاهم يقال له «حش كوكب» فلما خرج به على الناس رجموا سريره، وهموا بطرحه.»
ويقول آخرون: «إنه أخرج ولم يغسل، وأرادوا أن يصلوا عليه في موضع فأبت الأنصار، وأقبل عمير بن ضابئ - وعثمان موضوع على باب - فنزا عليه، فكسر ضلعا من أضلاعه وقال: «سجنت ضابئا حتى مات في السجن.» •••
Bog aan la aqoon
ولولا أن تداركهم علي بن أبي طالب ونهى الناس عن التمثيل به لما علم إلا الله إلى أي حد كانوا يتمادون في التمثيل به، وقد انطلق به حتى دفن في «حش كوكب».
3 (4) الأسباب التي أدت إلى مصرعه (4-1) ضعفه
ألا فقد والله عبتم علي بما أقررتم لابن الخطاب بمثله، ولكنه وطئكم برجله، وضربكم بيده، وقمعكم بلسانه، فدنتم له - على ما أحببتم أو كرهتم - ولنت لكم وأوطأت لكم كتفي وكففت يدي ولساني عنكم، فاجترأتم علي.
عثمان
أجملنا في الفصل السابق الأسباب التي أدت إلى مصرعه ووعدنا بتفصيل أهمها في هذا الفصل، ونحن ننجز وعدنا الآن:
أول الأسباب التي انتهت بعثمان - رضي الله عنه - إلى هذه الخاتمة المفجعة ضعفه الشديد ولين جانبه وفرط حيائه.
لقد كان - رضي الله عنه - ذكيا فطنا عارفا بأخلاق الناس، ولكن الإرادة القوية والعزيمة الجريئة والبطش بالمذنبين، وإغفال الرحمة، ونسيان كل اعتبار في سبيل تثبيت الأمن وتوطيد دعائم الملك، والمضي في إنفاذ خطة جلية حازمة وتطبيق سياسة بعينها، هذه هي الخلال التي كانت تنقصه، وهي وحدها الخلال الجديرة بكل حاكم يريد توطيد ملكه وتثبيت دعائمه.
لم تغب عنه صفات عمر ومزاياه الباهرة، ولا غفل عن تقليده في كثير من أموره، ولكن نقصته شخصية عمر القاهرة الجبارة التي تهابها الناس وتلبي رغباتها وتنحني أمامها خاضعة. وتنفذ إشارتها راضخة. وتخشى أن تحيد عنها قيد أنملة حتى لا تقع تحت طائلة عقابه، أو يصيبها قصاصه الذي لا ينجو منه مخطئ ولا يفلت منه مسيء.
وما لنا نحاول وصف عثمان وقد رسم لنا علي - رضي الله عنه - صورة ناطقة لم تدع بعدها غاية لواصفيه إذ يقول له: «الناس ورائي وقد كلموني فيك. ووالله ما أدري ما أقول لك وما أعرف شيئا تجهله ولا أدلك على أمر لا تعرفه.
إنك لتعلم ما نعلم، ما سبقناك إلى شيء فنخبرك عنه، ولا خلونا بشيء فنبلغكه. وما خصصنا بأمر دونك، وقد رأيت وسمعت وصحبت رسول الله
Bog aan la aqoon
صلى الله عليه وسلم ، ونلت صهره. وما ابن قحافة «أبو بكر» بأولى بعمل الحق منك ولا ابن الخطاب بأولى بشيء من الخير منك.»
إلى أن يقول: «فالله الله في نفسك، فإنك والله ما تبصر من عمى، وتعلم من جهل، وإن الطريق لواضح بين ...» فإذا اعتذر عثمان إليه بأنه يقتفي أثر عمر أجابه «علي» إجابته الموفقة إذ يقول: «سأخبرك أن عمر بن الخطاب كان كل من ولي فإنما يطأ على صماخه، إن بلغه عنه حرف جلبه ثم بلغ به أقصى الغاية. وأنت لا تفعل. ضعفت ورفقت على أقربائك.»
فإذا ذكر له عثمان أن معاوية كان ممن ولاه عمر مدة خلافته كلها وأنه يقتدي كذلك بعمر في توليته، أبان له «علي» الفرق بين العملين، فقال: «أنشدك الله! هل تعلم أن معاوية كان أخوف من عمر، من «يرفأ» غلام عمر؟»
قال: «نعم».
قال علي: «فإن معاوية يقتطع الأمور دونك وأنت تعلمها؛ فيقول للناس: «هذا أمر عثمان.» فيبلغك ولا تغير على معاوية!» •••
ولعل في هذه الجمل أبلغ شرح يلمس منه القارئ مواطن الضعف في عثمان رضي الله عنه، التي أطمعت فيه سواه، وأدت إلى استهانة الناس بأمره!
أمثلة من جرأة الناس عليه
ولقد وصل اجتراء الناس عليه إلى أبعد الغايات.
فهذا رجل يشتمه وهو يخطب الناس على عصا النبي في جمع حاشد، ويصيح به: «قم يا نعثل
4
Bog aan la aqoon
فانزل عن هذا المنبر!»
5
ثم يأخذ العصا فيكسرها على ركبته. •••
وذلك
6
يمر به عثمان، وهو جالس في ندى من قومه، في فناء داره، ومعه جامعة
7
فيسلم عثمان فيرد القوم، فيقول ذلك الرجل: «لم تردون على رجل فعل كذا وكذا.»
ثم يقبل على عثمان فيقول له: «والله لأطرحن هذه الجامعة في عنقك أو لتتركن بطانتك هذه!»
وتدور بينهما مناقشة
Bog aan la aqoon