التشهد أوله ثناء، وآخره الشهادتان. وإذا كان العباد يحبونه ويثنون عليه فهو سبحانه أحق بحمد نفسه، والثناء على نفسه، والمحبة لنفسه، كما قال أفضل الخلق: "لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك" فلا ثناء من مثنٍ أعظم من ثناء الرب على نفسه، ولا حب لمحبوب من محبه أعظم من محبة الرب لنفسه. وكل ما يحبه من عباده فهو تابع لحبه لنفسه.
فالمؤمن إذا كان يحب ما يحبه لله فهو تبع لمحبة الله، فكيف الرب تعالى فيما يحبه من مخلوقاته؟ إنما يحبه تبعا لحبه لنفسه، وخلق المخلوقات لحكمته التي يحبها، فما خلق شيئا إلا لحكمة، فهو سبحانه أحسن كل شيء خلقه، وقال: ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ ١. وليس في أسمائه إلا اسم مدح، ولهذا كلها حسنى، والحسنى خلاف السوأى. والحسن محبوب ممدوح، فالمقصود بالخلق ما يحبه، ويرضاه، وذلك ممدوح، ولكن قد يكون من لوازم ما يحبه وسائله، فإن وجود الملزوم بدون اللازم ممتنع، كما يمتنع وجود العلم، والإرادة بلا حياة، ولهذا إذا ذكر باسم خاص قرن بالخير، كالضار النافع، فيجمع بين الاسمين لما في العموم والشمول الدال على وحدانيته، وأنه وحده يفعل هذه الأشياء، ولهذا لا يدعى بأحدهما وحده، بل يذكران جميعا؛ ولهذا كل نعمة منه فضل، وكل نعمة منه عدل، والإحسان بيده اليمنى والعدل بيده الأخرى، وكلتا يديه يمنى مباركة؛ والمقسطون يوم القيامة على يمينه. والمقصود أنه سبحانه إذا خلق ما يبغضه لحكمة يحبها فهو مريد لكل ما خلقه وإن كان مما خلق ببغضه إنما خلقه