مقدمة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
بعد أن تقرر أن تعقد جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية مؤتمرا باسم الشيخ محمد بن عبد الوهاب، شكلت أمانة للإعداد لهذا المؤتمر وتقديم تصور مفصل عنه، ثم وضعه موضع التنفيذ.
وقد بدأت الأمانة عملها بتحديد الهدف العام للمؤتمر بأنه التعريف بالشيخ وتجلية حقيقة دعوته على مستوى العالم الإسلامي، وكشف الشبهات التي أثيرت حولها في بعض البلدان الإسلامية وفي ظل ظروف تاريخية معينة.
وفي سبيل تحقيق هذا الهدف – بصورة علمية صحيحة - رأت الأمانة ضرورة جمع كافة ما كتبه الشيخ من مؤلفات، وتحقيق نسبتها إليه، وتوثيقها ثم نشرها في طبعة خاصة باسم الجامعة، لترسل نسخ منها بعد ذلك إلى الهيئات والباحثين الذين ستوجه إليهم الدعوة للإسهام في المؤتمر.
وقد راعت الأمانة في ذلك أن كثيرا من الباحثين في البلدان الإسلامية لا تتوافر لديهم مؤلفات الشيخ وآثاره العلمية مما يكون له أثر واضح بلا شك في قصور أو نقص أو خطأ بعض ما قد يكتبونه عن دعوة الشيخ، ومن ثم
1 / 3
فلا بد أن تتوافر لديهم آثار الشيخ الصحيحة بصورة موثقة حتى يمكنهم التعرف على حقيقة دعوته والكتابة الموضوعية العلمية عنها.
ومن ثم انطلقت الأمانة تجمع كل ما تيسر لها من مؤلفات الشيخ المطبوعة والمخطوطة وتبحث عنها في كافة مظانها عند أفراد من أسرة الشيخ، وفي المكتبات العامة والخاصة في أنحاء المملكة وخارجها.
وفي هذا المجال نشير بصفة خاصة إلى المجموعة الكبيرة من مخطوطات مؤلفات الشيخ التي وجدت في المكتبة السعودية بدخنة بالرياض، وقد قامت الأمانة بتصوير هذه المخطوطات. كما قامت باستحضار نسخ من مؤلفات الشيخ المطبوعة وذلك بطريق الشراء والهبة، وبطريق الاتصال الشخصي والاستعارة من الأفراد والهيئات بالنسبة لبعض المطبوعات التي يقل وجودها أو يندر.
وأيضًا قامت بالاتصال الشخصي ببعض الأفراد الذين لهم اهتمام خاص بالشيخ ودعوته ومؤلفاته أو كتبوا فيها شيئا ذا قيمة.
كما قام بعض أعضاء الأمانة في إجازة صيف ١٣٩٦هـ (١٩٧٦م) بمراجعة المكتبات الهامة في مصر وغيرها للتعرف على ما قد يكون للشيخ فيها من مؤلفات، ثم العمل على استحضار ما ييسر للأمانة مهمتها من هذه المؤلفات.
1 / 4
ومن حصيلة ذلك كله تجمعت في أمانة المؤتمر نسخ كثيرة من مؤلفات الشيخ مطبوعة ومخطوطة وفي صورة ميكروفيلم. فألفت من بين أعضائها لجنة لتصنيف هذه المؤلفات، تضمنت مهمتها ما يلي:
(أ) النظر في كل مؤلف أو مخطوط والاستيثاق من أنه حقا من مؤلفات الشيخ.
(ب) حصر الموجود من نسخه المطبوعة والمخطوطة، ووصف كل نسخة.
(ج) تسجيل القسم الذي يوضع فيه (العقيدة – الفقه - السيرة – الرسائل ...) .
وأيضا ألفت عدة لجان للتصحيح تضمنت مهمتها ما يلي:
(أ) مقابلة النسخ المخطوطة والمطبوعة من كل مؤلف بعضها على بعض، للحصول على نسخة كاملة متكاملة هي التي تعد للطبع.
(ب) ترقيم الآيات، وذكر سورها، وضبطها شكلا.
(ج) وضع علامات الترقيم والبدء بالفقرات وإبراز العناوين حسب النظام الحديث في الكتابة والطبع.
(د) تحقيق الأمر في صحة نسبة المؤلفات التي تقدم لجنة التصنيف شكًّا حول صحة نسبتها.
وقد حرصت أمانة المؤتمر على أن تؤلف كل لجنة من لجان التصحيح من العلماء المتخصصين ذوي الصلة الوثيقة بنوع وطبيعة المؤلف الذي يراجعونه،
1 / 5
كما حرصت على أن تجمع كل لجنة عددًا من العلماء ذوي الخبرات المتكاملة في مجموعها من حيث صلتها بمهمة التصحيح وإتقانها قدر الاستطاعة. وفي هذا استعانت الأمانة ببعض العلماء ذوي الخبرة من غير أعضائها.
... وبعد فهذه مؤلفات الشيخ تقدمها أمانة المؤتمر متكاملة موثقة كأول ثمرة من ثمار تكوينها وعملها. وقد قصدتْ بجهودها فيها تجلية حقيقة دعوة الشيخ وتيسير الاطلاع عليها ومراجعتها من مجموع ما كتبه دون إضافة أو حذف أو تعليق، لتتيح للدارسين المنصفين الباحثين عن الحقيقة في ذاتها أن يصلوا بأوثق طريق، بعيدًا عن كل تزييف أو تشويه أو ادعاء باطل يحاول صاحبه أن يلبسه ثوب الحق.
وترجو الأمانة أن تكون قد وفقت في عملها هذا كفاء ما بذلته من جهود.
والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى خير سبيل.
أمانة المؤتمر
1 / 6
(هذه مسائل) لخصها الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:
فقد كلفتنا الأمانة العامة لأسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب بمراجعة كتاب الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب قدس الله روحه من كلام الإمام أبي العباس تقي الدين بن تيمية الحراني الدمشقي ﵀، وقد راجعنا النسخة المصورة من مكتبة الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ، ويوجد أصلها في المكتبة السعودية بدخنة في المخطوطات برقم ٦٧٨ / ٨٦
والكتاب شامل لمسائل عديدة في التوحيد بجميع أنواعه وفي الفقه وأصوله والتفسير وعلومه، لخصها الإمام محمد بن عبد الوهاب من غالب كتب شيخ الإسلام. وقد تبين لنا من خلال قراءة الكتاب أنه غير منتظم العبارات، ويوجد فيه انقطاع في بعض الكلام، ويرجع ذلك والله أعلم إلى تصرف بعض الناسخين. وقد قمنا بإصلاح ما قدرنا على إصلاحه بمراجعة بعض كتب شيخ الإسلام، وجعلنا ذلك بين مربعين صغيرين، كما قمنا بترقيم الآيات، وبعض التعليقات اليسيرة.
1 / 9
والله نسأل أن يجعل عملنا خالصا لوجهه مقربا إليه وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلى الله على محمد.
١٠ / ٥ / ١٣٩٨؟
محمد بن عبد العزيز النمي
فهد بن حمين الفهد
1 / 10
بسم الله الرحمن الرحيم
(١) إن قوله: "إنما الأعمال بالنيات" ١ عام
خلافا لما عليه أكثر الشراح.
(٢) قوله في العزل: "لا عليكم" ثم ذكر القدر أن هذا لا حجة فيه على ترك السبب. لأن الحمل يحصل مع العزل.
(٣) قوله: "لا يصيب المؤمن قضاء إلا كان خيرا له" ٢
ورد عليه المعاصي، فأجاب بأن المراد ما أصاب العبد لا ما فعله، وأنه يصير بعد التوبة خير منه قبل الخطيئة.
(٤) قوله: "من سعادة ابن آدم الاستخارة والرضاء ... إلخ" ٣
مع ما تقدم قبله قال: الاستخارة قبله، والرضى بعده. وهذا أعلى من الضر والصبر. فلذلك ذكر فيه الرضى.
(٥) ذكر أن الصدق لا يكون إلا بالإيمان النافي للريب والجهاد
قال: وهذا هو العهد المأخوذ على الأمم له ﷺ "ليؤمنن به ولينصرنه."
(٦) ذكر أن أصل الإيمان الصدق، وأصل النفاق الكذب
وذكر أنه يكون في الأقوال وفي الأعمال أيضا، كما يقال حملة صادقة.
(٧) حديث محاجة آدم وموسى ...
أن موسى إنما لام على المصيبة لا على الخطيئة.
_________
١ البخاري: بدء الوحي (١)، ومسلم: الإمارة (١٩٠٧)، والترمذي: فضائل الجهاد (١٦٤٧)، والنسائي: الطهارة (٧٥) والطلاق (٣٤٣٧) والأيمان والنذور (٣٧٩٤)، وأبو داود: الطلاق (٢٢٠١)، وابن ماجه: الزهد (٤٢٢٧)، وأحمد (١/٢٥،١/٤٣) .
٢ أحمد (٣/١٨٤) .
٣ الترمذي: القدر (٢١٥١)، وأحمد (١/١٦٨) .
1 / 11
(٨) قوله "عصفور من عصافير الجنة" ١مع أن الأطفال المسلمين في الجنة
أن المراد الفرق بين المعين وغيره كما يقال: المؤمنون في الجنة ولا يشهد لمعين.
(٩) بكاؤه ﷺ عند موت الطفل، وضحك الفضيل عند موت ابنه ...
الأكمل الصبر مع الرحمة.. بخلاف من يبكي على فوات حظه من الميت.
(١٠) قال: " إن السلف جعلوا سورة الإخلاص أصلا في الرد على المشبهة والمعطلة من قوله: ﴿اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ ٢.
(١١) قوله: "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله.." ٣ إلخ
الذي ينفع هو العبادة، أو مباح يستعان به عليها، وكذلك "إن الله يلوم على العجز" ٤ إلخ.
(١٢) قراءته ﷺ على أبي لم تكن قراءة إبلاغ له بخصوصه.
(١٣) اليهود تشبه الخالق بالمخلوق، والنصارى تشبه المخلوق بالخالق.
(١٤) ذكر أن محبة الله أكثر ما تجيء باسم العبادة ...
وإلا فقد ذكر الله محبته في القرآن في مواضع، ومحبة الصالحين من محبته، وإن كانت المحبة التي لا يستحقها غيره، فلهذا جاءت مذكورة بما يختص به من العبادة والإنابة والتبتل ونحو ذلك. فكل هذه الأسماء تتضمن محبته، وكما أنها أصل الدين فكماله بكمالها، كقوله: "وذروة سنامه الجهاد" ٥ وهو
_________
١ مسلم: القدر (٢٦٦٢)، والنسائي: الجنائز (١٩٤٧)، وابن ماجه: المقدمة (٨٢)، وأحمد (٦/٤١،٦/٢٠٨) .
٢ سورة الإخلاص الآية: ١-٢.
٣ مسلم: القدر (٢٦٦٤)، وابن ماجه: المقدمة (٧٩) والزهد (٤١٦٨)، وأحمد (٢/٣٦٦،٢/٣٧٠) .
٤ أبو داود: الأقضية (٣٦٢٧)، وأحمد (٦/٢٤) .
٥ الترمذي: الإيمان (٢٦١٦)، وابن ماجه: الفتن (٣٩٧٣)، وأحمد (٥/٢٣١،٥/٢٣٤،٥/٢٣٧) .
1 / 12
لازم المحبة الكاملة، لقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ﴾ ١ الآية وقال في صفة المحبين: ﴿يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ﴾ ٢.
وهم الذين يرضى الله لرضاهم، ويغضب لغضبهم، كما قال لأبي بكر: "لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك" ٣، إذ هم إنما يرضون لرضاه، ويغضبون لغضبه. وقال: "ما ترددت في شيء ... " ٤ إلخ؛ لأن التردد تعارض إرادتين، وهو سبحانه يحب ما يحب عبده، ويكره ما يكره، وقد قضى بالموت وهو يريد إماتته، فسماه ترددا.
(١٥) كل مولود على الفطرة
فإنه سبحانه فطر القلوب على أنه ليس في محبوباتها ومراداتها ما تطمئن إليه وتنتهي إليه إلا الله (، وإلا فكل ما أحبه المحب يحبه في نفسه لكن قلبه يطلب سواه ويحب أمرا غيره يتألهه ويضمه إليه، ويطمئن إليه، ويرى ما يشبهه من أجناسه. ولهذا قال: ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ ٥.
(١٦) "أين المتحابون بجلالي"
تنبيه على ما في قلوبهم من إجلال الله وتعظيمه مع التحاب، وهؤلاء هم الذين جاء فيهم "وجبت محبتي للمتحابين في والمتباذلين في. إلخ" ٦ قاله: ردا على من ترك الخوف مع المحبة. ٧
(١٧) رؤيته ﷺ ربه بعيني رأسه،
لم يثبت عنه، ولا عن أحد من الصحابة، ولا الأئمة المشهورين لا أحمد ولا غيره، لكن ثبت
_________
١ سورة التوبة آية: ٢٤.
٢ سورة المائدة آية: ٥٤.
٣ مسلم: فضائل الصحابة (٢٥٠٤)، وأحمد (٥/٦٤) .
٤ أحمد (٦/٢٥٦) .
٥ سورة الرعد آية: ٢٨.
٦ الترمذي: الزهد (٢٣٩٠)، وأحمد (٥/٢٣٣)، ومالك: الجامع (١٧٧٩) .
٧ مراده الرد على من زعم أنه لا مجمع بين الخوف والمحبة.
1 / 13
عن الصحابة كأبي ذر وابن عباس وغيرهما وأحمد بن حنبل أنه رآه بفؤاده كما في صحيح مسلم عن ابن عباس: "رأى محمد ربه بفؤاده مرتين". وثبت عن عائشة الإنكار، فمن العلماء من قال: أنكرت رؤية العين فلا منافاة، ومنهم من جعلها قولين، فمن قال: لا يرى في الآخرة فهو جهمي ضال، ومن قال يرى في الدنيا بالفؤاد لغيره ﷺ فهو مبتدع ضال، ومن قال إنه ﷺ رآه بعينه فهو غالط، والحلولية والاتحادية يجمعون بين النفي والإثبات.
(١٨) قال في الرد على متصوفة ينتسبون إلى التحقيق والتوحيد ويجرون مع القدر:
سبب ذلك أنه ضاق نطاقهم عن كون العبد يؤمر بما يقدَّر عليه خلافه، كما ضاق نطاق القدرية عنه، فأثبتوا الأمر والنهي فقط، وأولئك أثبتوا القضاء فقط. وفي حق من شهد القدر: وهؤلاء شر من القدرية، ولهذا لم يكن في السلف من هؤلاء أحد، ولا ريب أن المشركين يترددون بين بدعة تخالف الشرع وبين احتجاج بالقدر على مخالفة الأمر. فهؤلاء الأصناف فيهم شبه من المشركين، وفيهم من يجمع بين الأمرين، كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً﴾ الآية.
وقد ذكر عن المشركين ما ابتدعوا من الدين الذي فيه تحليل الحرام، والعبادة التي لم تشرع في الأنعام والأعراف، وعمدة الكل اتباع آرائهم وأهوائهم، وجعلهم ذلك حقيقة، نظير جعل المتكلمين ما ابتدعوا حقائق عقلية. وأصل ضلال الكل تقديم القياس على النص، واختيار الهوى على اتباع الأمر.
1 / 14
(١٩) عطف الخاص على العام
يكون لأسباب، تارة لكونه له خاصة ليست لسائر أفراد العام، كما في قوله: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ﴾ ١ الآية. وتارة يكون العام فيه إطلاق قد لا يفهم منه العموم كقوله: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ ٢ ثم قال: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ ٣ الآية.
(٢٠) العبادة يدخل فيها الدين كله
ولهذا كانت ربوبية الله سبحانه عامة وخاصة. ولهذا كان الشرك أخفى من دبيب النمل، وفي الصحيح: "تعس عبد الدينار". إلخ. ووصفه بأنه إذا أعطي رضي، وإن منع سخط. وهذا في المال والجاه والصور، وغير ذلك. قال الخليل ﵇: ﴿فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ﴾ ٤الآية.
ودلت النصوص على الأمر بمسألة الخالق، والنهي عن مسألة المخلوق في غير موضع. وكلما قوي طمع العبد في فضل الله قويت عبوديته له، كما أن طمعه في المخلوق يوجب عبوديته له، ويأسه يوجب غنى قلبه عنه؛ وإعراض قلبه عن الطلب من الله يوجب انصراف قلبه عن العبودية لله، لا سيما من كان يرجو المخلوق ولا يرجو الخالق. وإذا ذاق طعم الإخلاص انقهر له هواه بلا علاج.
قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ ٥. وإذا قلت٦:
_________
٢ سورة البقرة آية: ٣.
٣ سورة البقرة آية: ٤.
٤ سورة العنكبوت آية: ١٧.
٥ سورة آية: ٤٥.
٦ لعلها قويت.
1 / 15
المحبة استلزمت إرادة المحبوبات، فإن قدر عليها حصلها، وإن فعل المقدور عليه. فله كأجر الفاعل (كمن دعي إلى هدر) . وكقوله: "إن بالمدينة رجالا ما سرتم مسيرا إلا وهم معكم، حبسهم العذر" ١.
فإذا ترك المقدور من الجهاد دل على ضعف المحبة، ومعلوم أن المحبوبات لا تنال إلا باحتمال المكروهات، كما في أهل الرياسة والمال.
ومن المعلوم أن المؤمن أشد حبا لله. والإسلام أن يستسلم العبد لله لا لغيره، فمن أسلم لله ولغيره فمشرك، ومن لم يسلم فمستكبر. والكبر ينافي العبودية كما قال: "العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني في واحد منهما عذبته". فهما من خصائص الربوبية، والكبرياء أعلى من العظمة.. فلهذا جعلها كالرداء.
والشرك غالب على النصارى، والكبر غالب على اليهود.
وفي الصحيح: "لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا" ٢. إلخ قاله قبل موته بأيام، وذلك من تمام رسالته، فإن فيه من تمام تحقيق مخالته لله التي أصلها محبة الله العبد، خلافا للجهمية. ومن ذلك تحقيق توصية الله ردا على أشباه المشركين، وفيه رد على من بخس الصديق حقه ٣ (وهم أضل) المنتسبين إلى القبلة، وهم شر البشر.
والحديث الذي فيه: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان" ٤ إلخ. جعله بثلاثة أمور تكمل المحبة، وتفريغها، ودفع ضدها. وكره من كره من أهل
_________
١ مسلم: الإمارة (١٩١١)، وابن ماجه: الجهاد (٢٧٦٥)، وأحمد (٣/٣٤١) .
٢ مسلم: فضائل الصحابة (٢٣٨٣)، والترمذي: المناقب (٣٦٥٥)، وابن ماجه: المقدمة (٩٣)، وأحمد (١/٣٧٧،١/٣٨٩،١/٤٠٨،١/٤١٠،١/٤١٢،١/٤٣٣،١/٤٣٤،١/٤٣٧،١/٤٣٩،١/٤٥٥،١/٤٦٢) .
٣ كالرافضة ونحوهم الذين يقدمون عليا على أبي بكر وعمر.
٤ البخاري: الإيمان (١٦)، ومسلم: الإيمان (٤٣)، والترمذي: الإيمان (٢٦٢٤)، والنسائي: الإيمان وشرائعه (٤٩٨٧،٤٩٨٨،٤٩٨٩)، وابن ماجه: الفتن (٤٠٣٣)، وأحمد (٣/١٠٣،٣/١١٣،٣/١٧٢،٣/١٧٤،٣/٢٣٠،٣/٢٤٨،٣/٢٨٨) .
1 / 16
العلم مجالسة أقوام يكثرون الكلام في المحبة بلا خشية.. ولهذا وجد في المتأخرين من (أفضى به) ذلك إلى ما ينافي العبودية، ومديد إلى نوع من الربوبية، ويدعي أحدهم ما يتجاوز حدود الأنبياء، ويطلب من غير الله ما لا يصلح إلا لله، وسببه ضعف تحقيق العبودية التي بينتها الرسل، وحررها الأمر والنهي الذي جاؤوا به، بل ضعف العقل الذي به يعرف العبد حقيقته، وهو شبيه بقول اليهود والنصارى ﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ ١ فإن تعذيبهم بذنوبهم يقتضي أنهم غير محبوبين، لأن من أحبه الله استعمله فيما يحبه، لأن فعل الكبائر واحد، فإن الله يبغض منه ذلك، ومن ظن أن الذنوب لا تضره لكون الله يحبه، فهو كمن ظن أن السم لا يضره من مداومته عليه لصحة مزاجه. ولو تدبر الأحمق ما قصه الله في كتابه من توبة الأنبياء، وما جهر لهم من البلاء الذي فيه تطهير لهم (دل) على ضرر الذنوب بأصحابها، ولو كانوا أرفع الناس.
واتباع الشريعة والقيام بالجهاد من أعظم الفروق بين أهل محبة الله، وبين من يدعي محبة الله ناظرا إلى عموم ربوبيته أو متبعا لبعض البدع. فإن دعوى هذه محبة من جنس دعوى اليهود والنصارى، بل قد تكون شرا منها. بل فيهم من النفاق الذي يكون به في الدرك الأسفل من النار.
وفي التوراة والإنجيل من ذكر محبة الله ما هم متفقون عليه، حتى أن عندهم إذ ذلك أعظم وصايا الناموس. ففي الإنجيل أن المسيح قال: أعظم وصايا
_________
١ سورة المائدة آية: ١٨.
1 / 17
المسيح أن تحب الله بكل قلبك وعقلك ونفسك. والنصارى يدعون قيامهم بهذه المحبة لما فيه من الزهد والعبادة، وهم برآء من محبة الله، إذ لم يتبعوا ما أحب الله، بل اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم.
وكثير من الذين اتبعوا أشياء من الزهد والعبادة وقعوا في بعض ذلك من دعوى المحبة مع مخالفة الشريعة وترك الجهاد، ويتمسكون في الدين الذي يتقربون به إلى الله بنحو ما تمسك به النصارى من الكلام المتشابه، والحكايات التي لا يعرف صدق قائلها ولو صدق لم يكن معصوما، وكل عمل أريد به غير الله لم يكن لله، وكل عمل لم يوافق شرعه، لم يكن له، بل لا يكون لله إلا ما جمع الوصفين.
قال تعالى: ﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾ ١ الآية. وقال ﷺ: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" ٢، وقال: "إنما الأعمال بالنيات" ٣. وهذا الأصل هو أصل الدين، وبحسب تحقيقه يكون تحقيق الدين، وبه أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب، وهي قطب الدين الذي تدور عليه رحاه.
والشرك غالب على النفوس، كما في الحديث: أخفى من دبيب النمل، وكثير ما يخالط النفوس من الشهوات ما يفسد عليها تحقيق ذلك، كما قال شداد بن أوس: "أخوف ما أخاف عليكم الرياء والشهوة الخفية" ٤ قال أبو داود: هي حب الرياسة، وفي الحديث:"ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه" ٥
_________
١ سورة البقرة آية: ١١٢.
٢ البخاري: الصلح (٢٦٩٧)، ومسلم: الأقضية (١٧١٨)، وأبو داود: السنة (٤٦٠٦)، وابن ماجه: المقدمة (١٤)، وأحمد (٦/٧٣،٦/١٤٦،٦/١٨٠،٦/٢٤٠،٦/٢٥٦،٦/٢٧٠) .
٣ البخاري: بدء الوحي (١)، ومسلم: الإمارة (١٩٠٧)، والترمذي: فضائل الجهاد (١٦٤٧)، والنسائي: الطهارة (٧٥) والطلاق (٣٤٣٧) والأيمان والنذور (٣٧٩٤)، وأبو داود: الطلاق (٢٢٠١)، وابن ماجه: الزهد (٤٢٢٧)، وأحمد (١/٢٥،١/٤٣) .
٤ أحمد (٥/٤٢٨) .
٥ الترمذي: الزهد (٢٣٧٦)، وأحمد (٣/٤٥٦،٣/٤٦٠)، والدارمي: الرقاق (٢٧٣٠) .
1 / 18
يبين أن الدين السليم لا يكون فيه هذا الحرص، وذلك أن القلب إذا ذاق حلاوة الإخلاص لم يكن شيء أحب إليه منه، فيصير القلب منيبا إلى الله خائفا منه، كما قال تعالى: ﴿مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ﴾ ١.
وإذا أخلص العبد اجتباه ربه فأحيا قلبه، وجذبه إليه، بخلاف القلب الذي لم يخلص، فإن فيه طلبا وإرادة، تارة إلى الرياسة فترضيه الكلمة ولو كانت باطلا، وتغيظه الكلمة ولو كانت حقا، وتارة إلى الدرهم والدينار، وأمثال ذلك، فيتخذ إلهه هواه. ومن لم يكن مخلصا لله بحيث يكون أحب إليه مما سواه، (وإلا) استعبدته الكائنات واستولت على قلبه الشياطين. وهذا أمر ضروري لا حيلة فيه، فالقلب إن لم يكن حنيفا وإلا كان مشركا ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا﴾ ٢ الآيتين. وقد جعل الله آل إبراهيم أئمة للحنفاء، كما جعل آل فرعون أئمة للمشركين المتبعين أهواءهم.
(٢١) بعث الله محمدا ﷺ إلى ذوي أهواء متفرقة
وقلوب متشتتة، فألف الله به بين القلوب، وجمع به الشمل، ثم إنه سبحانه بين أن هذا الأصل وهو الجماعة عماد دينه، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ
_________
١ سورة ق آية: ٣٣.
٢ سورة الروم آية: ٣٠.
1 / 19
اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾ ١ إلى قوله ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا﴾ ٢ إلى قوله ﴿خَالِدُونَ﴾ وفي الآية الأخرى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾ ٣.
فبرأ الله نبيه منهم. وقد كره ﷺ من المجادلة ما يفضي إلى الاختلاف والتفرق، فخرج على قوم من أصحابه وهم يتجادلون في القدر فكأنما فقئ في وجهه حب الرمان وقال: "أبهذا أمرتم أم إلى هذا دعيتم؟ " إلخ.
ثم ذكر ثلاثا وسبعين فرقة، ثم قال: في وصف الفرقة الناجية بأنهم المستمسكون بسنته وأنهم هم الجماعة.
(٢٢) مسألة رؤية الكفار ربهم في القيامة
انتشر الكلام فيها بعد الثلاثمائة من الهجرة، وأمسك عن الكلام فيها قوم من العلماء، وتكلم فيها آخرون؛ فاختلفوا على ثلاثة أقوال، والكلام فيها قريب من مسألة محاسبة الكفار. هل يحاسبون أم لا؟ والحساب يراد به عرض الأعمال على الكفار وتوبيخهم وزيادة العذاب ونقصه بزيادة الكفر ونقصه، فهذا ثابت بالاتفاق. ويراد به وزن الحسنات والسيئات ليتبين أيهما أرجح. فالكافر لا حسنات له، وإنما توزن أعماله لتظهر خفة موازينه؛ هذا المراد بالحساب.
هل الله يكلمهم أم لا؟ فالقرآن والحديث يدل على أنه يكلمهم كلام توبيخ، فيكاد الخلاف يرتفع. والأقوال الثلاثة في رؤية الكفار:
أحدها: أن الكفار لا يرونه بحال، لا المُظْهِر ولا المُسِرّ، وهو قول أكثر المتأخرين.
الثاني: أنه يراه من أظهر التوحيد من مؤمن ومنافق، قاله
_________
١ سورة آل عمران آية:١٠٢- ١٠٣.
٢ سورة آل عمران آية: ١٠٥.
٣ سورة الأنعام آية: ١٥٩.
1 / 20
ابن خزيمة وغيره.
الثالث: أن الكفار يرونه رؤية تعذيب كاللص إذا رأى السلطان، ثم يحتجب عنهم ليعظم عذابهم، وهذا مقتضى قول من فسر اللقاء في كتاب الله بالرؤية. ومن أقوى ما يتمسكون به ما روى مسلم عن أبي هريرة: "قال الناس: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فذكره. وفيه: فيلقى العبد فيقول: أفظننت أنك ملاقي؟ قال: لا. وفيه: ثم ينادي مناد: ألا تتبع كل أمة ما كانت تعبد" ١ فيقال: ظاهره أن الخلق كلهم يرونه، لكن قال ابن خزيمة: اللقاء هنا غير الترائي، وهؤلاء يقولون أخبر النبي ﷺ أن الكافر يلقى ربه فيوبخه، ثم تتبع كل أمة ما كانت تعبد، ثم يراه المؤمنون، يبينه ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة وأبي سعيد وفيه: "فيأتيهم في صورته التي يعرفون، وليس فيه الرؤية إلا بعد تتبع كل أمة" ٢ إلخ.
وفي حديث ابن مسعود الطويل: "أن المؤمنين يقولون: إن لنا ربا ما رأيناه بعد"، ففيه أنهم لم يروه قبلها، والآخرون يقولون معناه لم نره في هؤلاء الآلهة التي يتبع الناس، ويدل عليه أن في الصحيحين أيضا عن أبي سعيد: "فيأتيهم الجبار في صورة غير الصورة التي رأوه فيها أول مرة" ٣ ففيه أنهم رأوه قبل ذلك، وهي الرؤية العامة.
وأبين من هذا كله أن الرؤية الأولى عامة كما في حديث أبي رزين: "فتنظرون إليه وينظر إليكم، فقلت: كيف وهو شخص واحد ونحن ملء الأرض؟ " ٤ إلخ. ففيه أنه لعموم الخلق كما دل عليه السياق. والرؤية متباينة تباينا عظيما لا يكاد ينضبط طرفاها، ولا يجوز إطلاق القول بأن الكفار يرونه من غير تقييد، لأن الرؤية قد صار يفهم منها الكرامة، ففي إطلاقها إيهام، وليس لأحد أن يطلق ما يوهم خلاف الحق إلا أن يكون مأثورا..
_________
١ مسلم: الزهد والرقائق (٢٩٦٨) .
٢ البخاري: التوحيد (٧٤٣٨)، ومسلم: الإيمان (١٨٢) .
٣ البخاري: التوحيد (٧٤٤٠)، ومسلم: الإيمان (١٨٢،١٨٣)، وأحمد (٢/٢٧٥) .
٤ أحمد (٤/١٣) .
1 / 21
ولأن الحكم إذا كان عاما وفي تخصيص بعضه خروجا عن القول الجميل لم يُقَل؛ فإن الله خالق كل شيء ولا يقال: يا خالق الكلاب مثلا، فلا يخرج أحد عن الألفاظ المأثورة، وإن وقع نزاع في بعض معناها فإن هذا لا بد منه في الأمة كما أخبر به النبي ﷺ.
(٢٣) وإذا اشتبه عليه هل هذا الفعل مما يهجر المسلم عليه أم لا.
فالواجب ترك العقوبة لقوله: "أدرؤوا الحدود بالشبهات، فإنك أن تخطئ في العفو خير لك من أن تخطئ في العقوبة". (٢٤) ذكر في حديث الإفك نفقة أبي بكر على مسطح
لأن أمه بنت خالته وقال تعالى: ﴿وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ﴾ ١ الآية.
فجعله من ذوي القربى وهو من بعد من ذوي الأرحام الذين ليس لهم فرض ولا تعصيب.
فيستدل به على أحد القولين في مذهب أحمد أن ذوي الأرحام يستحقون النفقة.
فإن سبب النفقة القرابة المورثة، وكل قرابة مورثة على المشهور، لكن أصلا أو بدلا، فمن لا فرض له ولا تعصيب ورث بدلا، والحديث نص في أنهم من ذوي القربى، فيدخلون في قوله: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾ ٢ ونظائرها، وأقل ذلك النفقة على المحتاج. وقد ذكر الله الوفاء بالعهد وصلة الرحم في آيات متعددة، فهذه العمومات توجب صلة كل رحم قريبة أو بعيدة، كما أن قوله: ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ﴾ ٣ يعم ميراث كل ذي رحم، ولا فرق، بل في الإحسان
_________
١ سورة النور آية: ٢٢.
٢ سورة الإسراء آية: ٢٦.
٣ سورة الأنفال آية: ٧٥.
1 / 22
والنفقة أولى. وعلى هذا ما ورد من حمل الخال للعقل، وقوله: (ابن أخت القوم منهم) . وقوله: (مولى القوم منهم) . ونحن في أحد القولين نورث المولى من أسفل إذا عدم من هو أولى منه، ونظيره في الولاء قولنا في أحد القولين بالتوريث بالعهد عند انتفاء الرحم كما كان ﷺ يورث بين المهاجرين والأنصار، ثم نسخ تقديمهم على ذوي الرحم. فأما مع عدمهم فليس في الكتاب والسنة ما ينسخ ذلك.. بل قوله: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ ١ يقتضي توريثهم، وهو قول كثير من فقهاء العراق وغيرهم، فعقد المؤاخاة نظير عقد النكاح، وإسلامه على يديه نظير إعتاقه له، واشتراكهم في الديوان وهو التناصر والجهاد كاشتراكهم في النسب.
(٢٥) اتفق على أن الأرض لا تخلو عن خراج وعشر
لكن قال أبو حنيفة: لا يجتمعان، والجمهور يقولون: العشر حق الزرع لقوله تعالى: ﴿وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ﴾ ٢؛ والخراج عند أبي حنيفة هي التي يملك بيعها وهبتها وتورث.. والجندي لا يملك ذلك اليوم في أرض مصر، فمن قال أنها خراجية لا عشر عليها فقد أخطأ على أبي حنيفة وخالف الإجماع، ومن أفتى بخلو الأرض عن العشر والخراج استتيب، فإن تاب وإلا قتل.
ومن زعم أن الجهاد الذي على الجند يعوض عن الخراج فقد أخطأ؛ لأنهم لا يملكون بيعها ولا هبتها، وأيضا ما يعطونه ليس خراجا ولا أجرة بل لجندهم
_________
١ سورة النساء آية: ٣٣.
٢ سورة البقرة آية: ٢٦٧.
1 / 23
المستحقون للخراج. وإن قيل الإمام أسقط عنهم لقتالهم، قيل هذا لا يسقط الزكاة لوجوه:
منها أن ذلك لو جعلها كالخراجية لملكوا بيعها وهبتها، ومنها أن غايتهم أن يكونوا بمنْزلة الملاك، ومعلوم أن كل أرض أسلم عليها أهلها أنه لا خراج عليهم مع وجوب العشر وتعيين الجهاد عليهم من تلك الأموال، كما تعين الجهاد على الأنصار، وكان ﷺ يوجب عليهم العشر في الزرع والثمار، ويوجب عليهم الجهاد بأموالهم وأنفسهم، ولم يكن لهم رزق من بيت المال، فإذا كان جهادهم بأموالهم لا يسقط عنهم العشر الواجب لأهل الصدقات، فكيف يسقط عن هؤلاء؟ ولو أسقط الجهاد العشر لكانوا أحق، لما كانوا فيه من قلة المال وكثرة العدو وتعدد المغازي.
(٢٦) صلاته ﷺ بالأنبياء ببيت المقدس
قيل إنها اللغوية، وهي الدعاء والذكر، وقيل الصلاة المعروفة، وهذا أصح؛ لأن اللفظ يحمل على حقيقته الشرعية.
وكانت الصلاة واجبة قبل الإسراء، وكان واجبا قيام بعض الليل، كما في سورة المزمل، ثم نسخ بعد سنة بما ذكر الله في آخر السورة: ﴿فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾ ١. ثم نسخ قيام الليل ليلة الإسراء ووجبت الخمس.
(٢٧) زين الشيطان لأهل الضلالة اتخاذ عاشوراء مأتما
لإثارة الفتن والفساد، ولم يعرف في طوائف الإسلام أكثر كذبا وفتنا ومعاونة للكفار على المسلمين من الرافضة. وهم شر من الخوارج، وهؤلاء قال فيهم ﷺ "يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان" ٢ وأولئك يعاونون اليهود والنصارى على أهل بيت رسول الله ﷺ
_________
١ سورة المزمل آية: ٢٠.
٢ البخاري: المغازي (٤٣٥١) والتوحيد (٧٤٣٢)، ومسلم: الزكاة (١٠٦٤)، والنسائي: الزكاة (٢٥٧٨)، وأبو داود: السنة (٤٧٦٤)، وأحمد (٣/٤،٣/٦٨،٣/٧٣) .
1 / 24