أعظم من شخص إما في جسمه أو قوته أو عقله لم يكن هذا مبغضا لأنه بغير اختيار العبد، وبخلاف ما إذا تكبر بذلك أو بغيره فإنه من عمله. فإنه إذا خلق جميل الصورة لم يكن ذلك من عمله يحمد عليه أو يذم، كما أنه إذا خلق أسود أو قصيرا لم يحمد على ذلك ولم يذم، ولهذا لما كان المنافقون لهم جمال في الصورة بدون الإيمان شبههم بالخشب المسندة اليابسة التي لا تثمر. وقد تكون الصورة عونا على الإيمان كالقوة والمال فيحمد إذا استعان بهما على الطاعة، ويكون فيه الجمال الذي يحبه الله، والأسود إذا فعل ما يحبه الله من الجمال كان فيه الجمال الذي يحبه الله، والمقصود بيان ما يحبه الله، ويكرهه. وأول من أنكر المحبة والتكليم الجعد بن درهم، وطوائف أقروا أنه يحب، وأنكروا أنه يحب غيره، ومحبة المؤمنين لربهم أمر موجود في الفطر والقلوب، وثبت أن التذاذهم يوم القيامة بالنظر إلى الله أعظم لذة في الجنة، والإنسان في الدنيا يجد في قلبه بذكر الله، وذكر محامده وآلائه، وعبادته من اللذة ما لا يجده بشيء آخر.
وفي الحديث: "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: وما هي؟ قال: مجالس الذكر"١، ومن هذا قوله: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة" ٢، فإن هذا كان أعظم مجالس الذكر. والمنكرون للرؤية ينكرون هذه اللذة، وقد يفسرها من يتأول الرؤية بمزيد العلم على لذة العلم، كالذي في الدنيا بذكره لكن تلك أكمل، وهذا قول متصوفي الفلاسفة، والنفاة، كالفارابي وكأبي حامد وأمثاله. وأما أبو المعالي وابن عقيل ونحوهما فمنكرون أن يتلذذ أحد بالنظر إليه سبحانه، وقال أبو المعالي: يمكن أن يحصل مع النظر إليه لذة ببعض المخلوقات، وهذا ونحوه