الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ﴾ ١ إلى قوله ﴿لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ . فهذه المواضع تبين أن المختلفين ما اختلفوا حتى جاءهم العلم والبينات، فاختلفوا للبغي لا لاشتباه الحق بالباطل، وهذه حال أهل الأهواء كلهم لا يختلفون إلا من بعد أن يظهر الحق ويجيئهم، ثم كل يبغي على الآخر فيكذب بما معه من الحق مع علمه بأنه حق، ويصدق بما مع نفسه من الباطل مع العلم بأنه باطل.
ولهذا كان أهل الاختلاف المطلق كلهم مذمومون، فإنه ما منهم إلا من خالف حقا واتبع باطلا، ولهذا أمر الله الرسل أن تدعو إلى دين واحد، وهو الإسلام، ولا يتفرقوا فيه، قال تعالى ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا﴾ ٢ إلى قوله ﴿كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ﴾ ٣، وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ﴾ ٤ إلى قوله ﴿فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا﴾ ٥ كتبا اتبع كل قوم كتابا مبتدعا غير كتاب الله، فصاروا متفرقين، لأن أهل الاختلاف ليسوا على الحنيفية المحضة، التي هي الإسلام المحض الذي هو إخلاص الدين لله الذي في قوله: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾ ٦ الآية. وقال: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا﴾ ٧ الآيتين، فنهاه أن يكون من المشركين، من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا، وأعاد حرف من لأن الثاني بدل من الأول والبدل هو المقصود بالكلام، وما قبله توطئة له، وقال: ﴿وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ
١ سورة الجاثية آية: ١٦.
٢ سورة الشورى آية: ١٣.
٣ سورة الشورى آية: ١٣.
٤ سورة المؤمنون آية: ٥١.
٥ سورة المؤمنون آية: ٥٣.
٦ سورة البينة آية: ٥.
٧ سورة الروم آية: ٣٠.