أما أحدهما فإنه يقول: زينا لهم أعمالهم من الطاعات، فتركوها فهم يعمهون.
وأما الوجه الآخر فإنه يجوز على الإمهال كنحو ما تقول العرب أنا الذي زينت لك عملك وأنا الذي أفسدتك، وهو لم يزين له عمله ولم يفسده، ولكنه أمهله ولم يغير عليه ولم يمنعه، فكان تركه له وإمهاله إياه مزينا له فعله إذ لم يحل بينه وبينه ولم يمنعه ولو منعه لم يكن من ذلك شيء فإنه عز وجل لم يقسر العباد على الطاعة قسرا ولم يمنعهم من المعصية جبرا ولو فعل ذلك سبحانه ما جاز أحد أمره، ولكنه أمر تخييرا ونهى تحذيرا، فلم يطع مكرها ولم يعص مغلوبا، ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي بينة وإن الله لسميع عليم، وإنما مخرج زينا على مجاز الكلام وقال جل ثناؤه: { ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون } . يعني بالتحبيب والتكريه الأمر والنهي، وما وعد وأعد من الجنة والنار لا جبار على طاعته، ولا على معصيته عز الله عن ذلك وتعالى علوا كبيرا.
59- وسألت عن قوله عز وجل: { ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم
لسارقون } . وقلت: كيف جاز ليوسف صلى الله عليه أن يرمي بالسرقة من قد علم أنه لم يسرق صواعه؟
قال أحمد بن يحيى عليه السلام: قد قيل في هذه المسألة بجوابات كلها تجوز في لغة العرب وتثبت العدل والبراءة ليوسف صلى الله عليه من الظلم والإثم من ذك ما أنا ذاكره فافهمه إن شاء الله.
أما الوجه الأول فقالوا: أنه يجوز أن يكون المنادي نادى بغير أمر يوسف صلى الله عليه، فحكى الله عز وجل عن المنادي.
وأما أن يكون أمر بوضع الصواع في الرحل بغير علم المنادي الذي نادهم بالسرقة، فلا يكون المنادي تعمد كذبا، وذكر عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه أن يوسف صلوات الله عليه أمر المنادي بذلك وأضمر في نفسه إنكم لسارقون لي سرقتموني من أبي، وطرحمتوني في الجب، وهذا حسن.
Bogga 34