قال أحمد بن يحيى عليهما السلام: الدليل على ذلك من كتاب الله سبحانه ومن الاحتجاج بالحق الواضح الثابت في العقول من ذلك قوله عز جل: { صنع الله الذي أتقن كل شيء } . فلما كان ظلم العباد ليس بمتقن علمنا أنه ليس من صنعه، وقوله عز وجل: { ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون } . ونحن نعلم أن الله عز وجل خلق الأنعام، وإنما نفى عن نفسه جعل ما جعلوه ، والشق الذي جعلوه في آذان الأنعام، فعلمنا أن الذي نفاه الله عن نفسه هو كفر العباد، وقال عز وجل: { ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت } . فلما كان الكفر متفاوتا متناقضا، علمنا أن الكفر ليس من خلقه، وقال عز وجل: { وما جعل أزواجكم اللآئي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل } . وقال عز وجل: { إن الله بريء من المشركين } . فهو عز وجل لم يتبرأ من خلقهم ولا من موتهم ولا من حياتهم، وإنما بريء من فعلهم وفي هذا الباب أدلة كثيرة يطول بها الشرح، وفيما ذكرنا لك كفاية إن شاء الله.
55- وسألت عن قوله عز وجل: { ويحذركم الله نفسه } . وقلت: إنما
النفس تكون للمخلوقين؟
قال أحمد بن يحيى عليهما السلام: معنى ويحذركم الله نفسه يعني إياه، وذلك موجود في لغة العرب يقول الرجل نزلت في نفس الجبل أي في الجبل، وفي نفس الوادي وليس للوادي نفس ولا للجبل، وتقول أيضا هذا نفس الخبر وليس للخبر نفس، وكذلك تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك، يقول تعلم ما في نفس ولا أعلم ما عندك، وقال الأعشى البكري في نحو ذلك:
يوما بأجودنا يلا منه إذا ... نفس البخل تجهجمت سؤوالها
والنفس لا تجهم السؤال، وإنما المتجهم الرجل لأنه يدعي أن البخيل يتجهم سؤاله.
56- وسألت عن قول الله عز وجل: { فقليلا ما يؤمنون } . وقلت:
كيف مخرج هذا القول حيث قال: { فقليلا ما يؤمنون } . وهم لا إيمان لهم من الأصل وقد صيره قليلا؟
Bogga 32