Masabih Satica
المصابيح الساطعة الأنوار
Noocyada
ثم أمر تبارك وتعالى رسوله بالقراءة باسمه أمر مثنى، وكل ذلك فواحد في الإرادة والمعنى إلا أن التكرير غير التفريد، في زيادة الأمر والتوكيد، والتكثير فأكثر في الرحمة، وفي زيادة المن والنعمة بالعلم والتعليم والأمر والتفهيم، وفي كل كلمة من كلمات الله تقل أو تكثر بصائر جمة بمن الله لمن يعقل ويبصر، فليس في شيء من كلام الله جل ثناؤه نقص ولا فضول، ولا يشبه قول الله في الحكمة والبيان من أقوال القائلين قول، فقال سبحانه: ((اقرأ وربك الأكرم (3) الذي علم بالقلم (4) علم الإنسان ما لم يعلم)) من كل ماعلمه ببصر أو سمع أو فؤاد، وما كان مرضيا أو مسخطا لله من غي أو رشاد كما قال سبحانه: ((والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون)) [النحل:78] فبما جعل الله لهم من الأفئدة يعقلون ويتفكرون، وبما سلم من السمع والبصر يسمعون ويبصرون، فتبارك الله أحسن الخالقين خلقا، وأوسع الرازقين في العلم وغيره رزقا، فهو المعلم سبحانه بالقلم وبغيره من وجوه العلم التي ليست بخط ولا كتاب، من كل ما يعلمه أولوا الألباب ما يعلمه أيضا سواهم ممن لم يبلغ في العلم مداهم، وإن لم يكتب وكان جاهلا بالكتب مما يعلمه من صناعة أوبحرف أوبياعة فالله معلمه ومفهمه من ذلك أولعلمه فلولا قول الله سبحانه لم يظفر أبدا من علمه من علم ولم يفهم منه وفيه من يعلم ما فهم، وكذلك كل ملهم من طفل صغير، وكلما سوى ذلك من البهائم والطير من ألهم علما في تغذ أو محاذرة لضر أو توق فالله عز وجل ملهمه معرفته وتوقيه ومحاذرته.
وتأويل قوله سبحانه: ((وربك الأكرم)) فهو ما بان به الله من الجود والكرم فيما وصل به إليه من النعم من مواهبه في العلم وغير العلم، وقد علم الله رسوله عليه السلام من شرائعه ودينه، وإن لم يكتب بقلم أوبخط كتابا بيمينه ماجعله الله به فله الحمد إماما لكل إمام، كان معه في حياته وبعد وفاته من الكتبة والعلام، فكان بمن الله لكلهم إماما ومعلما، وعلى جميعهم في العلم والحكمة مقدما، وفي ذلك وبيانه مايقول الله سبحانه في فرقانه: ((وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون)) [البقره:48] فكفى بهذا والحمد لله بيانا وبرهانا لقوم يعقلون.
وتأويل: ((كلا )) فهو نعم وبلى ((إن الإنسان ليطغى)) فتأويل يطغى: فهو العناء والطغاء، وتأويل ((أن رآه استغنى)) فهو تكثره بالجدة والغنى في كل ما رآه فيه من علم ومال وما يراه مستغنيا به أو مستطيلا به من كل حال.
Bogga 216