ووجها كان يقتصر عن مداه
شعاع الشمس، أهلا أن يفدى
فلم أر ميتا أبكى لعين
وأكثر جازعا، وأجل فقدا!
وعكف بعد ذلك الوليد على أحزانه، ولم يجد تسلية لهمومه إلا أن يصب عذابه على من ناصبوه العداء أيام هشام، فأحضر سليمان بن هشام من السجن، وأمر بأن يضرب أمامه مائة سوط، وأن يحلق رأسه ولحيته ثم ينفي إلى عمان، وطلب يزيد ابن عنبسة والزهري، فقيل له: إنهما فرا إلى حيث لا يعلم مكانهما، فأرسل خلفهما الجنود ليقبضوا عليهما ولو كانا في أقصى الأرض، ثم أمر بأن يدفع بنو القعقاع إلى عامل قنسرين ليذيقهم مر العذاب إلى أن يموتوا، ودعا عياضا كاتبه، وطلب منه أن يكتب إلى يوسف بن عمرو والي العراق بقتل خالد بن عبد الله القسري، وهكذا كان يقضي الوليد نهاره في تعذيب وانتقام، وليله في تطريب وأنغام!
واجتمع أهل الدعوة بخراسان عندما وصلت إليهم أنباء الوليد وأحاديث لهوه وظلمه، ورأوا أن دولة الأمويين تخطو حثيثا إلى الزوال، وأن من الحكمة أن ينتظروا بإظهار دعوتهم قليلا حتى تجف الثمرة فتسقط وحدها؛ لأن عبث بني أمية وحده سيزيد من كراهية الناس وانصرافهم عنهم، وبذلك يسهل ثل عرشهم، ومحو سلطانهم، واستبشر الدعاة بالوليد خيرا؛ فزادت قوتهم، وتجددت آمالهم، وظهرت منهم بوادر رآها نصر بن سيار عامل خراسان فتوجس الشر، وأحس بسوء المصير، وكتب إلى الوليد:
أرى خلل الرماد وميض نار
ويوشك أن يكون لها ضرام!
فإن النار بالعودين تذكى
وإن الحرب أولها كلام!
Bog aan la aqoon