235

============================================================

الفن الثالث: في الاستدلال بالشاهد على الغاتب 235 لا تخفى علي وأنها تثقل علي، وليس يريد أنه ليس في قدرة يصلح لها. والذي يدل على هذا أن السائل له أن يسعى في حاجته لو رجع عليه باللوم، فقال له: بلى والله إنك لتقدر على ذلك وما يمنعك منه شيء ولكنك لا تفعل، وكيف تقدر على السعي في حاجة غيري والاشتغال بما يجب ولا تقدر على السعي معي، لكان صادقا، وكان لائمته غير جائز، ولو كان قوله: إني لا أستطيع أن أسعى معك في حاجتك يدل على أنه لا قدرة فيه تصلح للسعي، لكان يدل أيضا على أنه عاجز عن ذلك غير مخلى بينه وبينه ولا مطلق له، فلما كان قوله لا يدل على هذا عند خحصومنا، كذلك كان عندنا لا يدل على ما قالوا.

وأما قولكم: إن ادخار الأصلح ومنع ما به يوصل إلى الطاعة ليس ببخل، لأنه ليس بدين ولا حق واجب؛ ليس بدين مع إبقاء التكليف لأنه فضل، وليس بدين ولا حق واجب، فقد أعلمناكم ما يلزمكم في هذا، وهو أن يجيزوا منع كل ما فضل، وإن لم تفعلوا نقضتم العلة.

وأما قولكم: إن من لم يمنع الحق فليس ببخيل، ومن لم يكن بخيلا فليس بخارج من الجود، فليس هذا في المتعارف هكذا، ليس بين البخيل والجود منزلة هي الاقتصاد على إعطاء من إعطاؤه فرض واجث وحق لازم، ومن فعل هذا ولم يتجاوزه ولم يقصد عنه لم يسم بخيلا ولا جوادا؛ لأن الجواد هو من يتفضل على من لا يستحق، ألا ترون لو أن رجلا وفى كل غريم له حقه، وأدى كل فرض في ماله، ثم منع رفده ومعروفه زواره ومتناليه واخوانه وأهل بيته الذي ليس بمفروض عليه عطاؤهم ما سماه أحد من أهل العقل واللغة جوادا، ولكان أحسن حالاته أن يقال له: مقتصد مصلخ لماله، فإن خالفتم هذا اعترضتم على أهل العقول من أهل الملل بالإنكار.

Bogga 235