وجاء المتنبي إلى مصر وهو على إحساس بأنه سوف يكرم من كافور الخصي الإخشيدي، وتطلع إلى ولاية يتولاها ويعيش أميرا كالأمراء، ولعله حلم بأنه سوف يكون له شعراء يمدحونه كما كان هو يمدح سيف الدولة في حلب، ولعله كان يفكر في تلك الأيام السعيدة المستقبلة حين يستطيع أن يصف فيها سيف الدولة بأنه زميله وليس أميره؛ وخاصة لأنه تركه عقب نبوة وإزورار منه، وشرع يمدح كافور بقصائد أسرف فيها، ولكن كافور كان يقرأ ما خفي خلف هذه القصائد فكان يداري الشاعر ثم يصرفه باسما هازئا بأطماعه أو مسوفا مرجيا حتى لا ينقلب عليه المتنبي بعد المدح .
ولكن المتنبي بذكائه الخارق عرف أن كافور يلعب به وأنه لن يوليه الولاية المرموقة، فانقلب هاجيا مسرفا في الهجاء بعد إسرافه في الثناء.
ونحن نضحك من كافور الذي يمدح ويهجى، ونضحك من المتنبي الذي سخر منه كافور، نضحك حين نقرأ للمتنبي في كافور الأسود الخصي قصيدة يفتحها بقوله:
غالب فيك الشوق والشوق أغلب
وأعجب من ذا الهجر والوصل أعجب
ويقول فيها:
وأخلا كافور إذا شئت مدحه
وإن لم أشأ تملي علي وأكتب
إذا ترك الإنسان أهلا وراءه
ويمم كافورا فما يتغرب
Bog aan la aqoon