أمنتنا طوارق الحدثان
لا تخافي على غول الليالي
فمكاني من الخصيب مكاني
ولا نعرف كثيرا عن مقام أبي نواس في مصر، والظن الأكبر أنه لم يجد ترحيبا من كتابها وأدبائها، وإن وجد الكرم الذي انتظره من الخصيب، فإن استهتاره عندما كان يتحدث عن الخمر كان أكبر مما يتسع له صدر المصريين وقتئذ؛ إذ لم تكن مصر مركز الخلفاء مثل بغداد، ولم يكن الترف قد أدى فيها إلى استرخاص الفضائل الدينية، فقد كان أبو نواس يقول في الخمر:
ألا فاسقني الخمر وقل لي هي الخمر
ولا تسقني سرا إذا أمكن الجهر
وقد رويت عنه قصة يمكن أن تكون مكذوبة ، هي أنه كان يشرب الخمر والمطر يتساقط، فوضع قدحا وجمع فيه قطرات من المطر ثم شربه، وقال: «يزعمون أن مع كل قطرة ملكا، فكم تراني قد شربت من الملائكة».
هذا أبو نواس المستهتر الذي زار مصر أيام الخصيب، فلننظر في شاعر آخر زارها أيضا أيام كافور، وهو المتنبي.
كان المتنبي شاعر سيف الدولة في حلب، وكانت أيامه قلقة بالحروب بين سيف الدولة والدولة الرومانية الشرقية، فلم تكن هناك فضيلة أعلى من الشجاعة ولا أنفع منها، ومن هنا غلبت الحماسة الحربية على قصائد المتنبي، بل من هنا هذا الاستعلاء الذي نحسه من المتنبي نحو العامة، فإنه كان يختلط بالقادة والزعماء والرؤساء ويتغنى بالحرب كما لو كانت هي الشىء المألوف في الحياة الذي يستحق الاهتمام دون ما عداه من أي شأن آخر.
وكانت قدرته اللغوية هائلة، ولكن لا أظن أنها كانت تزيد على قدرة أبي نواس، ولكن الفرق بينهما أن الأول كان يتعاسر ويتعاظل في حين أن الثاني كان يتياسر ويتسامح، وهذا يتفق مع المنطق الاجتماعي لكل منهما، فإن المتنبي كان يحيا في مجتمع حربي قوامه الشجاعة والقتال، ومن هنا معاظلته وجده، فقد كان يقصف بالأبيات كما لو كانت قنابل، وكان أبو نواس يحيا في مجتمع بغداد الطروب بخمره وغنائه ويسره، ومن هنا اختياره السهل البسيط في الكلمات والأساليب حتى لننشد أبياته وكأنه كئوس الخمر المسكرة.
Bog aan la aqoon