والقليل الذي تعلمه فوما من هذا الصحفي يحمله على التأمل فيمن حوله من أمثاله الأثرياء، فيجد الخسة والسفالة والغدر تعلو إلى المكانة الاجتماعية المرموقة، وينفجر في إحدى الحفلات عقب الشراب الذي يحمله على أن يبوح بما في صدره، ولكن ثورته صبيانية غير ناضجة، طارئة مفاجئة ليس لها تدبير؛ ولذلك يتألب عليه الأثرياء، وبما لهم من حظوة في المجتمع والحكومة يبعثونه إلى مستشفى للأمراض العقلية، ثم يفرج عنه مجنونا يتسكع في الشوارع.
إن جوركي في قصة «المخلوقات التي كانت رجالا» ثم في قصة «فوما جوردييف» لا يجد مجالا للتفاؤل، وهو هنا واقعي لا أكثر. •••
إن إيمان جوركي بالإنسانية لا ينطوي على قدرة الإنسان على الثورة على المظالم فقط؛ إذ هو يبني آماله في الثورة على أنها تعمل بالعلم، العلم الذي يحرر الإنسان من خرافات القرون المظلمة، العلم الذي يضع البيئة والتجربة مكان العقيدة والتسليم، العلم الذي حين نعرفه ونتحقق من ممكناته، نقول: كنا عبيدا فصرنا أحرارا، العلم الذي نأمل به أن نرفع دخل العائلة المصرية في المتوسط من أربعين جنيها في العام إلى ألف جنيه، وإلى ألفي جنيه في العام، العلم الذي يبصرنا بأصل الكون ونهايته، بلا خرافات موروثة.
في سنة 1929 كتب جوركيى مقالا ذكر فيه قصة وقعت في 1917 يقول فيها: إن أحد الجنود الذين اشتركوا في الثورة كان يتحدث إلى أحد أعدائها، أعداء الثورة، وكان يصف له ما سوف يقوم به النظام الجديد ويشرح الآمال ويبني القصور، فكان عدو الثورة يتهكم به ويقول: «إنكم ستجعلون العالم كرويا كالبطيخة».
فيقول الجندي «أجل، سنجعله كذلك».
فيقول العدو: «ستجعلون الجبال وديانا».
فيقول الجندي «أجل، بلا شك، إذا ما كانت هذه الجبال ستقف في طريقنا».
ويقول العدو: «وستعكسون مجرى الأنهار حتى تعود مياهها القهقرى».
فيجيب الجندي «أجل،هذا سوف نفعله،سنوجه مياهها إلى حيث نريد،ماذا يضحكك في هذا؟».
ويزيد الجندي عى ذلك فيقول: «لا نحتاج إا إلى الوقت الذي يعيد إلى الناس عقولهم، وعندئذ ستنجون وتشكروننا».
Bog aan la aqoon