والتركيب لا ينصب على صفات، وإنما على «علاقات». فالقضايا التي يربط بينها التركيب لا تعبر عن تلازم، أعني عن تعلق صفة بموضوع، وإنما تنبئ عن علاقات، كعلاقة مساواة أو لا مساواة علاقة ارتباطية.
ونتيجة ذلك أن التركيب هو تأليف بين علاقات. ففي الاستنباط الصوري أو المنطقي، نضم صفات (تتصف بها فئات) أو فئات (تتمثل فيها صفات معينة)، ومثال ذلك، أن الصفة «إنسان» تتضمن صفة «الفناء» وتمكننا من أن ننسب إلى الموضوع «سقراط» صفة الفناء، أو فئة الفنانين تنطوي على فئة الإنسان وبالتالي على الموضوع «سقراط». أما في التركيب فنحن نؤلف بين علاقات التشابه والتناسب، لنصل إلى تحديد العلاقة بين مربعات الأضلاع مثلا. (3)
التركيب ليس صوريا. فهو ليس عملية يمكن فصلها عن محتواها. وفي هذه المسألة يجب ألا نخدع باستخدام الحروف، الذي يستعيره المنطق الصوري من الجبر، والذي قد يوهم بأن الجبر منطق صوري. فالحروف في المنطق الصوري، تعبر عن صفات أو فئات نأبى النظر إليها في ذاتها لأننا لا نهتم إلا بعملية الاستدلال ذاتها، أما في الجبر فالحروف تمثل أعدادا نأبى النظر إليها في ذاتها، لأننا لا نهتم إلا «بالعمليات الرياضية» لا بالاستدلال. والعمليات هي المادة الحقيقة للاستدلال. فمثلا (أ + ب)
2
تعني «مربع حاصل جمع».
فالتركيب هو إذن العملية المقابلة للتحليل، وهو يستخدم في حالتين: ففي الحالة الأولى يبرهن على مشروعية التحليل إذا كان التحليل للبحث فقط، لا للبرهان، فبعد أن يثبت المرء أن البرهنة على نظرية فيثاغورس تقتضي الارتكاز على النظريات المتعلقة بخواص المثلثات المتشابهة، نبدأ البرهان سائرين بالترتيب العكسي. وكذلك، بعد أن نثبت أن رسم دائرة تمر بثلاث نقط يقتضي مد المنصفات إلى المستقيمات التي تصل بين هذه النقط، نبرهن على أن نقطة تقاطع هذه المنصفات هي ذاتها مركز الدائرة، فالتحليل قد استخلص الشرط الضروري والتركيب يثبت أن هذا «الشرط» هو الكافي.
وإلى هذه الحالة الأولى أيضا ينتمي التحقيق التجريبي فالقانون يتخذ مبدأ، والتركيب يستخدم لإعادة بناء الظاهرة التي ينبغي أن نجرب عليها بعد ذلك.
أما في الحالة الثانية، فالتركيب عملية للعرض وللتعميم في الوقت نفسه فالكتب الدراسية في الرياضة، تعرض بالطريقة التركيبية التي قدم إقليدس أول نموذج لها. وهذا العرض يؤدي إلى اقتناع أكيد ، يتميز به البرهان الرياضي. وفضلا عن ذلك فالتركيب الرياضي يمكن من تعميم النتائج التي نحصل عليها علميا. وذلك هو هدف هذه الكتب الدراسية. ففي كتب الهندسة الأولية مثلا، يبدأ البحث بتحديد مساحة المربع، ثم مساحة المستطيل ثم المثلث، للوصول إلى نظرية المساحات بوجه عام، والعملية دائما واحدة، فالرياضية تبدأ على الدوام بحالة بسيطة، هي حالة فردية، ثم تزداد تعقيدا بالتدريج حتى تصل إلى أعم الحالات، وفي هذه يقول ديكارت في الجزء الثاني من المقال في المنهج «... أن أمضي في أفكاري بالترتيب، بادئا بأبسط الأشياء وأيسرها معرفة، لأرتقي منها رويدا رويدا، وبخطوات تدريجية إلى معرفة أكثر الأشياء تركيبا.» والمثال الذي يورده ديكارت في كتاب «الهندسة» هو الانتقال من معادلة من الدرجة الأولى إلى معادلة من الدرجة الثانية. فأكتب معادلتين من الدرجة الأولى س = 2، س = 3 أو س − 2 = صفر، س − 3 = صفر، ثم اضرب كل طرف في الآخر، فتكون المعادلة الجديدة هي س
2 − 5س + 6 = صفر، وهي المعادلة التي ترجع جذورها إلى المعادلتين الأوليين. فالتحليل هو الانتقال من الدرجة العليا إلى الدرجة الدنيا، والتركيب هو العملية العكسية. (1) أرشميدس والرافعة
يقدم إلينا أرشميدس مثلا رائعا للتركيب في بحثه «اتزان المسطحات أو مراكز ثقلها». فهدف أرشميدس هو إثبات الخصائص العامة وللوصول إلى هذا الهدف يبدأ بحالة بسيطة؛ فالميزان رافعة يتساوى ذراعاها، ويحملان أوزانا متساوية.
Bog aan la aqoon