197

أو بالطبع ، وتقدم نفس الوجود على الوجود تقدم بالحقيقة.

وحيث عرفت ما ذكرنا من تفسير الأول والآخر في شأنه تعالى ، فاعلم أنه موافق لما ورد من بعض كلمات المعصومين عليهم السلام كقولهم في الأدعية المأثورة عنهم : «يا كائنا قبل كل شيء ، يا كائنا بعد كل شيء ، يا حي قبل كل حي ، ويا حي بعد كل حي ، يا حي حين لا حي ، يا حي يبقى ويفنى كل حي ، يا ذا الذي كان قبل كل شيء ، ثم خلق كل شيء ، ثم يبقى ويفنى كل شيء».

وكذا هو مطابق للتفسير الذي ذكره العلماء. قال الشيخ الطوسي رحمه الله في تفسير قوله تعالى في سورة الحديد هو الأول : القديم السابق لجميع الموجودات بما لا يتناهى من الأوقات أو تقدير الأوقات. والآخر الذي يبقى بعد فناء كل شيء. انتهى. (1)

وقال بعض أجلة العلماء رحمه الله ما مضمونه : إن معنى الأول في حقه تعالى أنه قبل كل شيء ، وليس قبله أو في مرتبة وجوده شيء ومعنى الآخر في حقه تعالى أنه ليس بعده شيء ، وكلاهما من الصفات السلبية. انتهى.

وحيث عرفت تفسير الأول والآخر في حقه تعالى ، وعرفت أن معنى الآخر في حقه سبحانه أنه هو الذي يبقى ويفنى غيره ، عرفت أن معنى هذه الآية الكريمة آئل من بعض الوجوه إلى معنى الآية السابقة ، وهي قوله تعالى : ( كل شيء هالك إلا وجهه ) إلا أنه يمكن في تلك الآية السابقة التأويل بكلا الوجهين اللذين ذكرناهما ، وأما في هذه الآية فلا يستقيم التأويل إلا بالوجه الأخير ، لأن المتبادر من فناء غيره فناؤه بالفعل ، كما دلت عليه الآيات والأخبار أيضا ، لا الفناء في مرتبة ذاته.

وحيث كان المراد ، هو الفناء بالفعل الشامل بإطلاقه لفناء كل شيء غيره تعالى كما هو الظاهر فينبغي أن يخصص هذا العموم أيضا بما سوى ما دل الدليل على بقائه ، وقلنا إنه مستثنى من العموم. والله تعالى يعلم حقيقة الحال.

ومنها قوله تعالى : ( كما بدأكم تعودون ). (2)

وهذا لا يدل على فناء المخاطبين بالمرة ، بناء على أنهم في حال البدء كما لم يكونوا

Bogga 246