* بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
الحمد لله الذي خلق فسوى ، وقدر فهدى ، وأمات وأحيى ، وعليه النشأة الأخرى ، وإليه المنتهى ، ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ، عدلا منه تبارك وتعالى ، والصلاة على خير الورى ، أشرف من بعث بالبعث والجزاء ، وأكرم من أتى بالنشور والرجعى ، محمد المصطفى وآله الذين بهداهم يهتدى ، وبطريقتهم يقتدى ، صلاة كثيرة دائمة بدوام الأرض والسماء.
أما بعد ، فيقول العبد الضعيف النحيف المذنب الجاني ، محمد نعيم بن محمد تقي المدعو بعرفي الطالقاني ، عفي عنه وعن والديه ، وختم الله لهم بالحسنى ، وجعل آخرتهم خيرا من الأولى :
ذاكرني بعض إخوان الصفا وخلان الوفاء ، أن التصديق بالمعاد مطلقا لا يخفى أنه ضروري في هذه الملة البيضاء والملل السابقة التي أتى بها الأنبياء عليهم التحية والثناء ، وأصل من أصول الدين القويم والمذهب المستقيم ، لم ينكره أحد من أصحاب العقول وأرباب الألباب والنهى ، إلا شرذمة قليلة من ملاحدة الحكماء ، وأن الجسماني منه هو جزء من الإيمان ، وضروري في الأديان ، ودل عليه الكتاب الكريم والسنة السمحاء ، إذ عليه أدلة واضحة لا يعتريها شوب شبهة ولا ريبة ولا خفاء ، وقد أطبق عليه المليون من الحكماء والمتشرعون من العلماء ، وقد أقاموا الدليل العقلي على الروحاني منه ، إلا أنهم عن آخرهم اعتقدوا الجسماني منه على الوجه الذي أتى به الأنبياء ، مثل اعتقادهم للأحكام الفرعية ، معترفين بأنه لا يمكن إقامة الدليل العقلي عليه ، قائلين بأنه ليس للعقل استقلال ولا مدخل في إثباته بوجه ما ، وكفاك شاهدا على هذا قول شيخ الرئيس ابن سينا
Bogga 49
في الشفاء :
«يجب أن يعلم أن المعاد منه ما هو مقبول من الشرع ، ولا طريق إلى إثباته إلا من طريق الشريعة وتصديق خبر النبوة ، وهو الذي للبدن عند البعث ، وخيرات البدن وشروره معلومة ، لا تحتاج إلى أن تعلم ، وقد بسطت الشريعة الحقة التي أتانا بها سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وآله حال السعادة والشقاوة التي بحسب البدن ، ومنه ما هو مدرك بالعقل والقياس البرهاني ، وقد صدقته النبوة ، وهو السعادة والشقاوة الثابتتان بالقياس اللتان للأنفس ، وإن كانت الأوهام منا تقصر عن تصورهما الآن ، لما نوضح من العلل. والحكماء الإلهيون رغبتهم في إصابة هذه السعادة أعظم من رغبتهم في إصابة السعادة البدنية ، بل كأنهم لا يلتفتون إلى تلك ، وإن اعطوها ، ولا يستعظمونها في جنبة هذه السعادة التي هي مقاربة الحق الأول ، وهي على ما سنصفه عن قريب. انتهى كلامه.» (1)
ويقرب منه كلمات المتقدمين والمتأخرين من الحكماء والمتشرعين من العلماء ، كما يعلم بالاستقصاء.
واما بعض المتأخرين منهم كصدر الأفاضل مولانا صدر الدين الشيرازي فهو وإن تصدى في بعض مصنفاته الذي سماه الشواهد الربوبية لإقامة الدليل العقلي عليه ، وبذل مجهوده فيه ، لكنه لم يأت بشيء مبين ، يفي بتمام المدعى كما لا يخفى على من راجع كلامه وتأمل فيه واستقصى. (2)
وسألني (3) أنه لا يخفى أنهم عدوه من أصول الدين لا من فروع الدين ، فحينئذ نقول: لو كان الفرق بين اصول الدين وفروعه كما ذكره كثير من العلماء أن الأول ما يستقل في إثباته العقل ، وإن نطق به الشرع أيضا ، مثل توحيد الله تعالى وإثبات صفاته العليا وعدله ، وأصل النبوة والإمامة ، والمعاد الروحاني وغيرها ، وإن كان إثبات نبوة نبي خاص ، وإمامة إمام مخصوص موقوفا على النص أو العصمة ، أو إظهار المعجزة ونحوها ، وأن الثاني مما لا يستقل بإثباته العقل ، كالصلاة والصيام والزكاة والحج والجهاد وأمثالها ، فعلى هذا ينبغي أن يكون يمكن إقامة الدليل العقلي على إثبات أصل الجسماني منه أيضا ، وإن كان
Bogga 50
إثبات خصوصياته موقوفا على الشرع ، وهم قد اعترفوا بالعجز عن إقامة الدليل على إثباته مطلقا ، وإلا فالفرق ما ذا؟ وحينئذ فيلزم عليهم ارتكاب أحد الأمرين : إما القول بإدراجه في فروع الدين ، وهو خلاف ما قرره العلماء ، أو القول بأنه يكفي في إدراج مطلق المعاد في اصول الدين استقلال العقل في أحد فرديه أي الروحاني منه وإن لم يستقل العقل في إثبات فرده الاخرى ، أي الجسماني منه وفيه ما ترى ، فإن الظاهر أن إدراجه في اصول الدين ، إدراج لكلا فرديه فيها دون أحدهما.
وبالجملة فسواء عد من اصول الدين ، كما هو الأحرى والأولى ، أو لم يعد منها ، فهل يمكن إقامة الدليل عليه بحيث لا يعتريه شبهة ولا مراء أم لا؟
فرأيت التصدي للجواب عن هذا السؤال ، والاستكشاف عن جلية الحال ، والنظر في أنه هل يمكن إقامة الدليل عليه أحرى ، مع كوني ناقص الذهن ، قاصر الفهم ، قليل القسط من الفطانة والذكاء ، ويبعد عن مثلي إدراك ما اعترف بالعجز عنه فحول الفضلاء ، وقد اشتهر بينهم أن الجهالة أدنى إلى الخلاص من فطانة بتراء ، لكني قد امتثلت بقول القائل : «كم ترك الأول للآخر» ، فراجعت نفسي ، وفكرت فيه ، وبذلت جهدي ، واستعنت بربي جل وعلا ، واستمسكت بذيل هداية أئمة الهدى ، الذين هم العروة الوثقى ، في مراقبات تترى ، فآنست نارا من شاطئ الهدى ، فخلعت نعل علائقى وأتيت بقدم الشوق ، وادي الجد والطلب ، لعلي آتي منها بقبس ، أو أجد على النار هدى. وقلت : رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني واجعل لى وزيرا من عقلي يفقهوا قولي إنك كنت بنا بصيرا ، فنوديت من شاطئ الواد الأيمن أن : يا طالب الحق أقبل ولا تخف ، إنك قد اوتيت سؤلك ببركة الاعتصام بحبل سادة الورى ، وكنت من الآمنين لا تخاف دركا ولا تخشى ، إني أنا ربك الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ، فاعبدني واستمع لما يوحى ، إن الساعة آتية أكاد اخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى ، منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة اخرى ، فاقتبست بتوفيق ربي جل وعلا ، قبسة من تلك النار ، بها أضاء لي وجه المقصود ، فلاح لي كالبيضاء نورا وضياء ، فجاء بحمد الله دليلا واضحا لائحا كما يروق النواظر ويضيئ ألباب أرباب الفهم والذكاء ، إلا أنه يعوقني من تحريره وتهذيبه عوائق شتى ، وموانع لا تحصى ، أعظمها أني قد وقعت في زمن ، قد سنحت فيه بعض
Bogga 51
أمارات قيام الساعة والطامة الكبرى ، إذ قد ظهرت فيه الداهية الدهياء ، وفشت فيه المحن التي هي عامة البلوى ، تعم عامة البرايا ، يشيب فيها الصغير ، ويهرم فيها الكبير ، ويكدح فيها كل مؤمن حتى يلقى ربه ويفنى ، قد جرد الدهر على أهاليه سيف العدوان ، وأباد من كان ، وتطرق الفساد إلى أوضاع العالم ، وانسد طرق معاش بني آدم ، قد اغبر عيشهم الأخضر ، واسود يومهم الأبيض ، وابيض فودهم الأسود ، يتمنون الموت الأحمر ، وأشرف شمس العلم على الغروب ، وخمل أهل الكمال في زوايا الغروب ، يتقي أهل الديانة من إظهار دينهم ، ويدين بالتقية كل الورى ، عجل الله تعالى ظهور دولة صاحبنا ومولانا ، حتى ينكشف به تلك البلية العظمى.
ومع هذا فكيف في مثل هذا الزمان لمثلي من القاصرين الخاملين ، مع توزع البال وتشتت الحال صرف الوقت في إظهار الحق في هذه المطلب الأسنى ، وتحرير الدليل على هذا المقصد الأقصى ، والعمدة الوثقى ، فقعدت عنه برهة وفي العين قذى وفي الحلق شجى ، لكن لما كرر ذلك البعض من الأصدقاء السؤال وألح وأعاد الابتهال ، ورأيت أن الإقدام على جواب سؤاله والصبر عليه أحجى ، إذ ربما تصير الفتنة أشد وأقوى ، لا أتمكن من إظهاره أصلا ، والحال أن الأيام تمضي ولا تعود ، والعمر يذهب ولا يئوب ، وتكون الحسرة أدوم ، والندامة أبقى ، وقد قال تعالى :
( وأما بنعمة ربك فحدث ). (1)
( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ). (2)
( وسيجنبها الأتقى ، الذي يؤتي ماله يتزكى ). (3)
( فذكر إن نفعت الذكرى ، سيذكر من يخشى ). (4)
شرعت مع قلة البضاعة وفوات الفرصة وكثرة المشاغل وتوزع البال وتشتت الحال في تحريره وتهذيبه وتنقيحه بما تيسر وأمكن ، امتثالا لقول القائل : «ما لا يدرك كله لا يترك كله» (5)، وابتغاء لوجه ربي الأعلى ، وخطابي فيه لمن استمسك في العلم بأوثق الأسباب ، وجانب الاعتساف ونظر فيه بعين الإنصاف ، فإن رأى فيه خطأ أو عثرة وزللا ،
Bogga 52
عذرني واستغفر الله لي ، فإنه مقيل العثرات وغافر الخطيئات ، وإن وجده مقبولا لدى الطباع الذكية ، أنصفني وأعانني بصالح الدعاء في محو السيئات وتضعيف الحسنات ، والسلام على من اتبع الهدى ، وسميته بمنهج الرشاد في معرفة المعاد ، ورتبته على مقدمة وخاتمة وخمسة أبواب. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
Bogga 53
المقدمة
أما المقدمة ففي ذكر نبذ مما يتوقف عليه بيان المراد ، كشرح معنى المعاد ، وتقسيمه إلى الروحاني والجسماني ، ونقل اختلاف الناس في ذلك ، وسبب اختلافهم فيه ، وتحرير ما دل الشرع على ثبوته وينبغي إثباته بالدليل العقلي ، وفي بعض مطالب اخر يناسب تحقيقها قبل الخوض في المقصود.
فنقول : ذكر الفاضل الكامل العارف محمد بن علي بن أبي جمهور الأحساوي في كتابه المسمى بالمجلي مرآة المنجي كلاما بهذه العبارة :
«المحققون من الأولين والآخرين على القول بإثبات المعاد ، وإنما يختلفون في معناه ، وقد نقل عن جماعة من الحكماء الطبيعيين إنكاره ، وكذا جالينوس أنكره لاعتقاده أن النفس هي المزاج ، وأنه يفنى ، والفاني لا يعاد ، خصوصا أنه عرض ، والأعراض بعد العدم لا يتصور عودها ، فإذا بطل المزاج بفناء البدن ، لا يعود.
نعم ، القائلون بالمعاد اختلفوا في معناه ، فقال بعضهم : إنه الجسماني فقط ، وهو مذهب جماعة من المتكلمين بناء على أن النفس جسم ، وآخرون قالوا : إنه روحاني فقط وهو مذهب جماعة من الحكماء الإلهيين ، وطائفة قالوا : إنه جسماني وروحاني وهذا على وجهين : أحدهما أن يكون الروح مجردا عن المادة ، فيعاد الجسم ، ويتعلق به الروح ، أو يتعلق بجسم آخر غير الأول ، وهو مذهب قليل من أهل الإسلام ، ذهب إليه الغزالي ، والفارابي ، وكل من قال بتجرد النفس من أهل التصوف ، والثاني أن يكون الروح جسمانيا أو روحانيا ، ويعاد الجسم الأول ، ويرد فيه الروح وهو مذهب كثير من أهل الإسلام والنصارى.
Bogga 55
فعلم من هذا الاختلاف أن تحقق الإعادة مبني على تحقق النفس ، وأنها أي شيء هي ، فإن هذه الاختلافات إنما نشأت من الاختلافات فيها كما عرفت ، فإن الطبيعيين لما اعتقدوا أن النفس جسم ، وأحالوا إعادة المعدوم ، أحالوا المعاد مطلقا. وجالينوس لما قال إنها المزاج نفاه بالكلية. والمتكلمون لما قالوا إنها جوهر جسماني ، قالوا إنه إنما يكون بإعادة النفس على حالتها بناء على أنها إما الهيكل المحسوس المشاهد ، أو أنها أجزاء أصلية ، كما في مذاهبهم. وأما الغزالي وأتباعه فلما قالوا بتجرد النفس قالوا إنها تبقى بعد فراق البدن ، فعودها ردها إلى البدن مرة اخرى. إما الأول بعينه ، أو إلى آخر يماثله. وباقي المسلمين ، لما كان مذهبهم في النفس على أنحاء متعددة ، فالذي قال منهم إنها جوهر جسماني ، أو إنها جوهر روحاني ، قائل بأنه لا بد من إعادة الجسم الأول ويرد فيه الروح جمعا بين الشريعة والحكمة ، ويدعون أن هذا منطوق الآيات القرآنية. والإلهيون لما اعتقدوا تجرد النفس وبقاءها بعد فناء البدن ، ذهبوا إلى المعاد الروحاني ، ومرادهم به قطع علاقة النفس مع البدن.
فبالجملة وقع الاتفاق على وقوع المعاد ، وأنه حق وإن اختلفوا في كيفية وقوعه والدليل المطلق على ثبوت المعاد الجسماني إنه ممكن في نفسه ، والصادق أخبر عنه ، فوجب القول به ، أما الأول ، فلأن الإمكان إنما هو بالنظر إلى القابل والفاعل ، وهما حاصلان ، أما بالنظر إلى الفاعل فلما مر من الأصلين السابقين :
أحدهما كونه قادرا على كل مقدور ، والثاني كونه عالما بأعيان أجزاء الأشخاص لتعلق علمه بالجزئيات.
وأما الثاني ، فلاتفاق قول الأنبياء عليهم السلام غير موسى عليه السلام ، فإنه لم يذكر ، وما نزل في التوراة فيه شيء ، وقد وجد في كتب من جاء بعده كحزقيل وشعياء. وأما الإنجيل ، فالذي ذكر فيه أن الأخيار يصيرون كالملائكة ، فيكون لهم الحياة الأبدية والسعادة السرمدية ، ويمكن حمله على الروحانية ، أو الجسمانية أو عليهما ، ودلالته على الأول أظهر ، لتحقق الروحانية للملائكة دون الجسمانية.
وأما القرآن المجيد فقد جاءت ذكره فيه في كثير من المواضع ، مثل قوله تعالى :
Bogga 56
( من يحي العظام وهي رميم ). (1)
( أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه ، بلى قادرين على أن نسوي بنانه ). (2)
( أإذا كنا عظاما نخرة ). (3)
( وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا ). (4)
( كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ). (5)
( يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ). (6)
( إذا بعثر ما في القبور ). (7)
إلى غير ذلك مما جاء في هذا المعنى وهو الكثير. والقول بأن المراد بها المجازات الدالة على الحقائق وهو الروحاني ، ضعيف ، لأنها صريحة في الجسماني فحملها على المجازات ، تكذيب للأنبياء عليهم السلام .
فإذا عرفت ذلك ، فقد ظهر لك مما أوردناه من مذاهب القوم ، توقف المعاد على مقدمتين :
إحداهما : معرفة النفس وأنها ما هي ، حتى يتحقق كيفية الإعادة. والثانية : أن المعدوم هل يعاد أم لا؟
فأما المقدمة الاولى فقد وقع فيها التشاجر العظيم والاختلاف الكثير ، وخبط أهل الكلام فيها ، وتعددت آراؤهم تعددا كثيرا حتى قيل إنها بلغت إلى قريب من أربعين مذهبا ، وليس على واحد منها دليل قطعي ، وأشهر مذاهبهم القول بأنها أجزاء أصلية في البدن من أول العمر إلى آخره ، وجمهور الفلاسفة وجماعة متصوفة الإسلام وجماعة من أهل الكلام قالوا بتجردها وانها جوهر غير جسماني متعلق بهذا البدن تعلق التدبير ، لا تعلق الحلول ، ولهم على ذلك دلائل هي بالصواب أنسب ، وبالحق أشبه انتهى كلامه رحمه الله .» (8)
ثم قال بعد إثبات تجرد النفس وتحقق حقيقتها بهذه العبارة :
«فبالجملة المعاد الجسماني وغيره يتحقق على مذاهبهم ويصح إثباته ، إلا أنه يختلف
Bogga 57
كيفياته باختلاف مذاهبهم في النفس.
والقائلون بالتجرد ، هم في الإعادة فريقان : فريق قصروه عليها وجعلوا عودها إلى العالم العلوى بعد قطع العلاقة البدنية وفراغها عن الاشتغال بتدبير البدن عبارة عن المعاد ، وهو مذهب جماعة كثيرة من أهل الحكمة سيأتي الكلام معهم. وفريق قالوا : لا بد عند القيامة الكبرى من عود الأبدان الجسمانية كما كانت ، فترد العلاقة النفسانية على حالها على حسب ما كانت عليه في الحالة الاولى قبل قطع العلاقة ، جميعا بين الحكمة والظواهر النقلية ، وهو مذهب جماعة الإسلاميين من الحكماء وأهل التصوف والكلام. انتهى كلامه رحمه الله .» (1)
وقال صدر الأفاضل مولانا صدر الدين الشيرازي رحمه الله في الشواهد الربوبية :
«الإشراق الرابع في الإشارة إلى مذاهب الناس في المعاد. إن من الأوهام العامية اعتقاد جماعة من الملاحدة والدهرية ، وطائفة من الطبيعيين والأطباء ممن لا اعتداد بهم في الفلسفة ، ولا اعتماد عليهم في العقليات ، ولا نصيب لهم في الشريعة ، ذهبوا إلى نفي المعاد واستحالة حشر النفوس والأجساد ، زعما منهم أن الإنسان إذا مات فات وليس له معاد كسائر الحيوان والنبات ، وهؤلاء أرذل الناس رأيا وأدونهم منزلة.
والمنقول من جالينوس هو التوقف في أمر المعاد لتردده في أمر النفس هل هو صورة المزاج فتفنى أم صورة مجردة فتبقى؟
ثم من المتشبثين منهم بأذيال العلماء ، من ضم إلى إنكاره له أن المعدوم لا يعاد ، فيمتنع حشر الموتى.
والمتكلمون منعوا هذا ، تارة بتجويز إعادة المعدوم ، واخرى بمنع فناء الإنسان بالحقيقة ، لأن حقيقة إنسانيته بأجزائه الأصلية ، وهي باقية إما متجزية أو غير متجزية ، ثم حملوا الآيات والنصوص الواردة في إثبات الحشر على أن المراد جمع المتفرقات من أجزاء الإنسان التي هي حقيقته. فهؤلاء التزموا أحد أمرين مستبعدين من العقل والنقل ، والسكوت خير من الكلام ممن لا يعلم.
واتفق المحققون من الفلاسفة والمحقون من أهل الشريعة على ثبوت المعاد ، ووقع
Bogga 58
الاختلاف في كيفيته ، فذهب جمهور المتكلمين وعامة الفقهاء إلى أنه جسماني فقط ، بناء على أن الروح جرم لطيف سار في البدن ، وجمهور الفلاسفة على أنه روحاني فقط ، وذهب كثير من الحكماء المتألهين ومشايخ العرفاء في هذه الملة إلى القول بالمعادين جميعا. أما بيانه بالدليل العقلي فلم أر في كلام أحد إلى الآن ، وقد مر البرهان العرشي على أن المعاد بعينه هو هذا الشخص الإنساني روحا وجسدا بحيث لو يراه أحد عند المحشر يقول : هذا فلان الذي كان في الدنيا ، فمن أنكر هذا فقد أنكر ركنا عظيما من الإيمان ، فيكون كافرا عقلا وشرعا ، ولزمه إنكار كثير من النصوص. انتهى كلامه.» (1)
** وقال أيضا :
«الإشراق التاسع في سبب اختلاف الناس في كيفية المعاد : اعلم أن اختلاف أصحاب الملل والديانات في هذا الأمر وكيفيته ، إنما هو لأجل غموض هذه المسألة العويصة ودقتها ، وكثير من الحكماء كالشيخ الرئيس ومن في طبقته ، أحكموا علم المبادئ ، وتبلدت أذهانهم في كيفية المعاد ، حتى رضيت انفسهم بالتقليد في هذه المسألة المهمة ، لغموضها حتى أن الكتب السماوية المحكمة متشابهة آياتها في بيان هذا المعنى ، مختلفة بحسب الجليل من النظر ، متوافقة بحسب النظر الدقيق.
ففي التوراة : إن أهل الجنة يمكثون في النعيم عشرة آلاف سنة ، ثم يصيرون ملائكة ، وإن أهل النار يمكثون في الجحيم كذا أو أزيد ، ثم يصيرون شياطين. (2)
وفي الإنجيل : إن الناس يحشرون ملائكة ، لا يطعمون ولا يشربون ولا ينامون ولا يتوالدون. (3)
وفي بعض آيات القرآن : إن الناس يحشرون على صفة التجرد والفردانية كقوله تعالى : ( كلهم آتيه يوم القيامة فردا ). (4)
وكقوله تعالى : ( كما بدأكم تعودون ). (5)
وفي بعضها على صفة التجسم كقوله تعالى : ( يوم يسحبون في النار على وجوههم ). (6)
Bogga 59
وكذلك سؤال إبراهيم الخليل عن الله تعالى : ( رب أرني كيف تحي الموتى ). (1)
واستشكال عزير : ( أنى يحيي هذه الله بعد موتها ). (2)
وحكاية أصحاب الكهف تبيينا لهذا الأمر كما قال تعالى : ( وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق ). (3)
فبعض هذه النصوص يدل على أن المعاد للأبدان ، وبعضها يدل على أنه للأرواح ، والتحقيق أن الأبدان الأخروية مسلوب عنها كثير من لوازم هذه الأبدان ، فإن بدن الآخرة كظل لازم للروح ، أو كعكس يرى في مرآة ، كما أن الروح في هذا البدن كضوء واقع على جدار ، أو كصورة منقوشة في قرطاس. وقد كان شبه هذه الأخبار المنقولة عن الكتب السماوية واردة في الأحاديث النبوية على الصادع بها وآله الصلاة والتحية كما هو المشهور عن أهل الحديث والرواية. انتهى.» (4)
ثم نقل كلام بعض أساطين الحكمة في ذلك.
Bogga 60
في الإشارة إلى أن الإنسان
* عبارة عن مجموع النفس والبدن
وأقول وبالله التوفيق : لا يخفى عليك أن الإنسان لما كان مزاجه على أقرب تعديل ، وخلقه في أحسن تقويم ، واجتمع فيه ما يصدر عن شركائه في أجناسه القريبة والبعيدة كالحيوان والنبات والمعدن ، من حفظ التركيب مدة معينة معتدا بها ، والخواص الطبيعية والأفعال النباتية والخصائص الحيوانية ، وامتاز من بينها أجمع ، بحمله من شرائف الأفعال ونفائس الآثار وكرائم الأعمال ولطائف الإدراكات التي تخصه كالعقل والفهم والفطنة والفكر والتدبير والتقدير وغير ذلك من الامور المحكمة. ولذا اختص من بين شركائه بالتكليف وما يلزمه ويتبعه ، فله بالضرورة مبدأ لذلك هو أشرف المبادئ وأفضلها ، به يتقوم قوام إنسانيته وبه يتحقق كونه حيوانا ناطقا ويصدق ذلك عليه ، ولذلك يسمى نفسا كأنه تمام حقيقة الإنسانية ، فإن اسم النفس يطلق غالبا على تمام حقيقة الشيء وذاته ، كما هو المنقول عن أهل اللغة والشائع في إطلاقات أهل العرف وقد يسمى روحا أيضا.
وبالجملة من المعلوم أنه كما أن للإنسان بدنا وهيكلا محسوسا مخصوصا مشاهدا بالحس والعيان ، مركبا تركيبا تاما معدنيا ونباتيا وحيوانيا ، يدل عليه البرهان. كما سنشير إليه فيما بعد إن شاء الله تعالى ، كذلك فيه ، أو معه هذا الأمر المختص الذي هو ما به التمايز بينه وبين شركائه وهذا أيضا معلوم بالوجدان ، ويدل عليه العقل والنقل أيضا.
والتميز بين الأشياء وإن كان عند التحقيق بالوجودات الخاصة ، لكن تلك الموجودات إما عارضة لماهيات كما هو رأي فريق من الحكماء ، أو معروضة لها كما هو رأي آخرين منهم ، فلتلك الماهيات أيضا مدخل في التشخص والتميز كما لتلك الوجودات ، فذلك الأمر
Bogga 61
الخاص بالإنسان الذي هو معروض ذلك الوجود الخاص أو عارضه ، هو أيضا منشأ التمايز بينه وبين غيره لا يمكن إنكار وجوده فيه أو معه.
والإنسان عبارة عن مجموع ذلك البدن المخصوص وهذا الأمر المميز الخاص ، وإليهما اشير في مواضع عديدة من الكتاب الكريم ، كقوله تعالى :
( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ، ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر ، فتبارك الله أحسن الخالقين ). (1)
وقوله تعالى : ( الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ، ثم سواه ونفخ فيه من روحه ، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون ). (2)
وقوله تعالى : ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ). (3)
والحاصل : أن ذلك الأمر الخاص ، جلي الإنية عند ذوي الفطرة السليمة ، وإن كان خفي الماهية ، ولذا اختلف فيه على أقوال شتى كما نقله الشيخ الرئيس في الشفاء عن القدماء ، فذهب بعضهم إلى أنه جوهر مجرد ، وبعضهم إلى أنه مادي ، جسم أو جسماني ، وسيأتي فيما بعد نقل ذلك تحقيق الحق فيه إن شاء الله تعالى.
Bogga 62
في الإشارة إلى معنى المعاد
ولا يخفى عليك أيضا ، أن لفظ «المعاد» قد جاء مصدرا ميميا بمعنى العود ، وإن كان جاء اسم زمان ومكان أيضا ، وأن العود والإعادة وأشباههما من الألفاظ قد وردت في الكتاب الكريم والشرع القويم ، مثل قوله تعالى :
( كما بدأكم تعودون ). (1)
( الله يبدؤا الخلق ثم يعيده ). (2)
( إنه يبدؤا الخلق ثم يعيده ). (3)
( فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة ). (4)
( منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ). (5)
( أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير ). (6)
( والله أنبتكم من الأرض نباتا ، ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا ). (7)
( وهو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ). (8)
( كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين ). (9)
إلى غير ذلك من الآيات الكريمة.
وإن معانى هذه الألفاظ وإن كانت مما يفهمها كل فاهم من ذوي فطرة سليمة
Bogga 63
ولا يحتاج إلى شرحها ، لكنا نقول للتنبيه على ذلك :
إن المتبادر من مفهومات هذه الألفاظ ومعانيها عند الإطلاق ، هو أن يكون قد وجد أولا ما فرض أنه متعلق الإعادة على وجود مخصوص وحال وصفة مخصوصتين ، ثم زال عنه ذلك الوجود وتلك الحالة [والصفة] ثانيا في وقت من الأوقات ، سواء كان بزوال نفسه أو زوال أمر متعلق به ، ثم وجد في وقت آخر بعده على ذلك الوجود وعلى تلك الحالة والصفة ، فإنه حينئذ يصدق على ذلك الأثر الحاصل ثالثا أنه العود ، وعلى تأثير الفاعل ذلك فيه أنه الإعادة ، وبهذا المعنى اطلقت تلك الألفاظ في تلك الآيات الكريمة ، إذ هو معناها المتبادر ، ولا سيما أنها اطلقت في تلك الآيات في مقابلة البدء والإبداء ، وهو قرينة عليه ، إذ البدء والإبداء معناهما الإيجاد أولا ، سواء كان إبداعا من غير تقدم مدة ومادة ، أو إحداثا وتكوينا مع تقدمهما ، فحيث كان معناهما ذلك وكان متعلق الإبداء والإعادة واحدا ، كان معنى العود والإعادة في مقابلتهما إيجاد ذلك الموجود أولا في وقت آخر ، بعد أن تخلل زمان زوال وفناء بينهما ، فتدبر.
فيكون معنى تلك الآيات والله أعلم أن الله تعالى أوجد الخلق كالإنسان مثلا على وجود خاص وحال مخصوصة ، ثم يميتهم ويزيل عنهم ذلك ثانيا ، ثم يوجدهم ثالثا على ذلك الوجود وتلك الحال.
وقد يطلق العود والإعادة على وجود شيء أو إيجاده في وقت متأخر بعد أن كان ينبغي وجوده أو إيجاده في وقت متقدم عليه ولم يقع ذلك ، إما بانتفائه رأسا ، أو بانتفاء جزء من أجزائه ، أو شرط من شروطه ، كما يطلق على فعل الصلاة غير المؤداة في وقتها كما أمر بها الشارع ، في وقت ثان ، أنه إعادتها ، ولا شك أن هذا المعنى سواء كان حقيقيا أو مجازيا غير مراد في الآيات الكريمة.
كما أن إرادة إنشاء خلق آخر في النشأة الاخروية ، مغاير للخلق الأول بحسب الذات وإن كان مماثلا له في بعض الصفات أو كلها ، خلاف الظاهر من لفظ الإعادة ، وكذا من تلك الآيات ، فتدبر تعرف.
وحيث عرفت المعنى المراد من العود والإعادة والمعاد التي وردت في الكتاب الكريم ، ظهر لك أنه ينبغي أن يحمل عليه ما ورد فيه بألفاظ اخر ، مثل الرجوع والرجع
Bogga 64
والبعث والنسل والإحياء والإحضار والحشر والنشر والخروج والإخراج والرد والبروز والعرض والإتيان والمصير والجمع والقيام وأمثال ذلك.
قال تعالى : ( وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون ). (1)
( والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون ). (2)
( ذلك رجع بعيد ). (3)
( من بعثنا من مرقدنا ). (4)
( كذلك نخرج الموتى ). (5)
( وستردون إلى عالم الغيب والشهادة ). (6)
( ويوم نحشرهم جميعا ). (7)
( وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا ، وعرضوا على ربك صفا ). (8)
( ثم إلينا مرجعكم ). (9)
( وردوا إلى الله مولاهم الحق ). (10)
( ذلك يوم مجموع له الناس ). (11)
( الله يجمع بيننا وإليه المصير ). (12)
( وهو على جمعهم إذا يشاء قدير ). (13)
( وبرزوا لله الواحد القهار ). (14)
( ونحشرهم يوم القيامة ). (15)
( وإليه تحشرون ). (16)
( كذلك النشور ). (17)
Bogga 65
( فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون ). (1)
( يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج ). (2)
( يخرجون من الأجداث ). (3)
( إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير ). (4)
( يوم يبعثهم الله جميعا ). (5)
( يوم يقوم الناس لرب العالمين ). (6)
( وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ). (7)
( منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ). (8)
( من ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ). (9)
( ثم هو يوم القيامة من المحضرين ). (10)
( فإذا هم جميع لدينا محضرون ). (11)
( وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون ). (12)
( يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ). (13)
إلى غير ذلك من الآيات.
وإن كان لكل واحد من تلك الألفاظ معنى يخصه يعرفه من له دربة في معاني الألفاظ.
Bogga 66
في الإشارة إلى كون الاعتقاد بالمعاد ضروريا
* في هذا الدين القويم وكذا في الأديان السابقة
ولا يخفى أيضا عليك ، أن الاعتقاد بالمعاد ركن من أركان الإسلام ، وضروري في هذا الدين القويم ، وكذا في الأديان السابقة والملل الماضية ، كما ادعاه العلماء من أهل الإسلام ، وقد نطق الشرع القويم والكتاب الكريم بكونه ضروريا في هذا الدين ، بل كونه جزءا من أديان اولي العزم من الرسل وغيرهم.
أما كونه ضروريا في الدين المحمدي صلى الله عليه وآله ، فالقرآن مملو منه كالآيات المذكورة وغيرها مما لا تحصى. وأما في الأديان السابقة ، فلقوله تعالى في سورة نوح حكاية عنه (على نبينا و عليه السلام )، انه قال لقومه :
( والله أنبتكم من الأرض نباتا ، ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا ). (1)
وفي سورة العنكبوت حكاية عن إبراهيم (على نبينا و عليه السلام )، إنه قال لقومه :
( واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون ). (2)
وفي سورة الشعراء حكاية عنه أيضا :
( والذي يميتني ثم يحيين ، والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين ). (3)
وفي سورة طه خطابا لموسى (على نبينا و عليه السلام ):
( إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى ). (4)
وفي سورة القصص حكاية عن قوم قارون ، إنهم قالوا له :
Bogga 67
( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا ). (1)
وفي سورة المؤمن حكاية عن مؤمن آل فرعون ، إنه قال لقوم فرعون :
( يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار ). (2)
وفي سورة مريم حكاية عن عيسى (على نبينا و عليه السلام ):
( والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ). (3)
وفي سورة يس حكاية عن رسول عيسى إلى قومه :
( وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون )، ( قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون ، بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ). (4)
وفي سورة الأنفال : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ) الآية .» (5)
ومما ذكرنا يظهر أن ما ذكره العارف الأحساوي بقوله : وأما الثاني فلاتفاق قول الأنبياء عليهم السلام غير موسى عليه السلام فانه لم يذكر ، وما نزل في التوراة فيه شيء ، فيه شيء مع أن ما ذكره معارض بما نقله صدر الأفاضل عن التوراة بقوله : ففي التوراة : إن أهل الجنة يمكثون في النعيم عشر آلاف سنة ثم يصيرون ملائكة. (6)
Bogga 68
في كيفية دلالة الآيات القرآنية على المعاد
ولا يخفى أيضا عليك أن الآيات القرآنية الواردة في هذا المطلب ،
بعضها ظاهرة في وقوع الموت والفناء والإماتة والإبداء والإعادة والإحياء ونحو ذلك ، وطروؤه على الإنسان الذي عرفت أنه عبارة عن مجموع البدن المحسوس وذلك الأمر المخصوص أعني النفس والروح ، وهي كثيرة كقوله تعالى :
( ويقول الإنسان أإذا ما مت لسوف أخرج حيا ، أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا ). (1)
وكالآيات المتقدمة وغيرها حيث إنها تضمنت الخطاب بذلك للمكلفين وحكاية أحوالهم ، ولا يخفى أن المكلف هو الإنسان بنفسه وبدنه ، وإن احتمل كونه بنفسه وحدها أيضا.
وبعضها ظاهرة في وقوع ذلك على بدنه ، كقوله تعالى :
( من يحي العظام وهي رميم ، قل يحييها الذي أنشأها أول مرة ).
( اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ). (2)
( حتى إذا ما جاؤها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون ، وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون ). (3)
إلى غير ذلك من الآيات.
Bogga 69