ويؤيده أن القول بوحدتها بالذات وتغايرها بحسب القوى والأفعال ، هو الموافق لكلام الشيخ في الكتابين ، حيث إنه في الإشارات (1) في هذا المقام الذي ذكر المحقق الطوسي فيه هذا التحقيق قال : «فأصل القوى المدركة والمحركة والحافظة للمزاج شيء آخر ، لك أن تسميه النفس ، وهذا هو الجوهر الذي يتصرف في أجزاء بدنك ثم في بدنك.» ثم قال : «فهذا الجوهر فيك واحد ، بل هو أنت على التحقيق ، وله فروع من قوى منبثة في أعضائك». وكذلك قد حقق في الشفاء في فصل عد المذاهب في النفس وأفعالها وأنها واحدة أم كثيرة ، القول في وحدتها بحسب الذات واختلافها بحسب القوى والآلات والأفعال بما لا مزيد عليه. (2) وسنذكر تلخيصه فيما بعد إن شاء الله تعالى في موضع يليق به.
وبالجملة فهذا القول هو الحق الحقيق بالتصديق ولا ينافيه ما ورد في أخبار الصادقين عليهم السلام من أن الله تعالى جعل في الأنبياء والأوصياء عليهم السلام خمسة أرواح ، روح القدس ، وروح الإيمان ، وروح الحياة ، وروح القوة ، وروح الشهوة ، وفي المؤمنين الأربعة الأخيرة ، وفي الكافرين الثلاثة الأخيرة ، (3) لأنه يمكن أن يكون ذلك إشارة إلى تعدد مراتب كمالات الأرواح ، وتعدد قواها ، لا تعددها بحسب الذات.
وكذا لا ينافيه ما ورد : من أن ولوج روح الحياة ، وكذا روح العقل ، إنما يكون إذا مضى على الجنين في الرحم مدة بعد فيضان الروح النباتي عليه ، (4) إذ ذلك أيضا يمكن أن يكون محمولا على أن النفس بعد تلك المدة تزيد كمالاتها ، وتكون بحيث يصدر عنها مع ما تقدم من الأفعال النباتية الفعل الحيواني ، وبعد ذلك بحيث يصدر عنها مع جميع ما تقدم الفعل الإنساني.
وعلى هذا أيضا يمكن أن يحمل قوله تعالى : ( وبدأ خلق الإنسان من طين ، ثم سواه ونفخ فيه من روحه ، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة ). (5)
وقوله تعالى : ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ، ثم جعلناه نطفة في قرار
Bogga 167